للناس اله غيره ، والسلطان يتمثل في الاعتقاد بربوبيته عزوجل. لهذا الوجود وانشائه وتدبيره بقدرة الله وقدره. كما يتمثل في الاعتقاد بربوبية الله لهذا الانسان في حياته العملية الواقعية ، وقيامه على شريعته. ولقد قال نوح لقومه ، وأنذرهم عاقبة التكذيب (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ). (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)
كما قال مشركوا العرب لمحمد ص وآله ، انه صبأ ورجع عن دين ابراهيم ، وهكذا يبلغ الضلال والضال ان يحسب من يدعوه الى الهدى هو الضال. بل هكذا يبلغ التبجح الوقح بعد ما تمسخ الفطرة البشرية ، هكذا تقلب الموازين وتبطل الضوابط ويحكم الهوى ويزداد في الميل والانحراف الى ما لا نهاية.
ما ذا تقول الجاهلية اليوم عن الثابتين على الدين والايمان بالخالق العظيم : انها تسميهم رجعيين ومتخلفين ، وتعد أهل الضلال والانحراف المثقفين والمتقدمين والمتحضرين. وما ذا تقول جاهلية قرن العشرين عن الفتاة المتدينة التي لم تزل على عفافها وحجابها ولم تكشف جسمها وتنبذ حياءها ، تسميها (رجعية) متخلفة جامدة.
ان الجاهلية هي الجاهلية من أول الدهر الى نهايته ، فلا تتغير الا الاشكال والظروف. وينفي نوح (ع) عن نفسه الضلال ويكشف عن حقيقة دعوته ومنبعها ، فهو لم يبتدعها من أوهامه وأهوائه ، انما هو رسول من رب العالمين ، يحمل لهم رسالة الحق والعدل ومعها النصح والامانة ، ويعلم من الله ما لا يعلمون .. فكذبوه فانجيناه والذين معه في الفلك).
ولقد رأينا من عماهم عن الهدى والنصح المخلص ، وبعماهم لاقوا الهلاك والتدمير.