عن كل داعية مصلح. أليست هي بعينها كلمة الباطل الكالح في وجه الحق الجميل. أليست هي بعينها كلمة الخداع الخبيث لاثارة الخواطر في وجه الايمان.
انه منطق واحد يتكرر كلما التقى الحق والباطل. والايمان والكفر والصلاح والطغيان. على توالي الزمان واختلاف المكان. والقصة قديمة مكررة تعرض أفلامها في كل حين وحين. (وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ) قالها بكل ثبات واطمئنان وايمان ويقين. قولة اعتمادها على قوة قاهرة لا تغلب. والتجاء الى وحدانية الله ربه وهكذا يكون الايمان.
(وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) انها جولة ضخمة هذه التي جالها الرجل المؤمن مع الكافرين. وانه منطق الفطرة المؤمنة في تعقل ومهارة وقوة وايمان. (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ). فهذه الكلمة البريئة المتعلقة باعتقاد المطمئن بالايمان. تستحق القتل. انها في هذه الصورة فعلة منكرة بشعة. ثم يخطو بهم خطوة اخرى. فالذي يقول هذه الكلمة البريئة (ربي الله) يقولها ومعه حجة باهرة. وفي يده برهان ساطع. (وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ). يشير الى تلك الآيات التي عرضها موسى (ع) ورأوها. ثم يعرض لهم أسوأ الفروض. ويقف معهم موقف الناصح المشفق والحق يملؤ قولته. (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ) ويحتمّل جريرته. (وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) ثم يهددهم من طرف خفي وهو يقول :
(إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) فاذا كان موسى كاذبا فان الله لا يهديه ولا يجري على يده الايات الباهرة. ثم يرجع الغوى يكرر الخداع والمكر فيقول فرعون لهم (ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) وهل يقول الطغاة الا ما يوافق هواهم وما يزين لهم