لم يفقدوا السمع والبصر. ولكنهم عطلوا ذلك فلم يعد لهذه الحواس وظيفة لانها لم تعد تؤدي هذه الوظيفة ويتساءل في استنكار : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) وتدبر القرآن يزيل الغشاوة. ويفتح البصائر. ويحرك المشاعر. ويستجيش القلوب. ويخلص الضمير من الاوهام والشكوك (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ. مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى. الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ) التعبير يرسم معنى رجوعهم عن الهدى بعد ما تبين لهم. ويكشف ما وراءها من وسوسة الشيطان واغرائه. فان ظاهرة هذه الحركة وباطنها مكشوفان مفهومان. وهم المنافقون.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠))
البيان : اليهود بالمدينة هم اول من كرهوا ما نزل الله. لأنهم كانوا يتوقعون ان تكون الرسالة الاخيرة فيهم. وان يكون خاتم الانبياء منهم. وكانوا يستفتحون على الذين كفروا ويوعدونهم بظهور النبي الذي يقودهم ويمكن لهم في الارض.
فلما أختار الله تعالى أخر رسله من نسل اسماعيل (ع) من غير اليهود كرهوا رسالته حتى اذا هاجر الى المدينة كرهوا هجرته. ومن ثم كانوا ألبا عليه منذ اول يومه. وشنوا عليه حرب الدس والكيد. وانضم اليهم كل حانق ومنافق.
(وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) فأين يذهب تآمرهم واسرارهم وماذا يؤثر (فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ) وهو مشهد مفزع مهين وهم يحتضرون. ولا حول لهم ولا طول. وهم في نهاية حياتهم من هذه