ولكن الناس لا يصبرون ولا يشكرون (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) فأمامهم مثل هذا الخطر الذي يخشاهم. تتعرى النفوس من القوة الخادعة التي تحجب عنها هنا وتتوجه الى خالقها القادر على نجاتها حين انقطعت اسباب النجاة الا منه. وتعرت الفطرة من كل ما سوى خالقها. وانقطعت اليه مخلصة له الدين (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) لا يجرفه الامن الى النسيان. ومنهم من يجمد وينكر كلما وعد وعاهد الله عليه. (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ).
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ) ان الهول هنا هول نفسي. انما يقاس بمداه في المشاعر والقلوب وما تتقطع به أواصر القربى والنسب. ووشائج العلاقة بين الوالد ومن ولد. وبين المولود والوالد. وما يستقل كل بشأنه. فلا يجزي احد عن أحد. ولا ينفع أحدا الا عمله وكسبه. وما يكون هذا كله الا لهول لا نظير له. في مألوف الناس. فالدعوة هنا الى تقوى الله تجيء في موضعها الذي فيه تستجاب. وقضية الاخرة تعرض في هذا الهول الغامر فتسمع لها القلوب. (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) فلا يخلف ولا يتخلف. ولا مفر من مواجهة هذا الهول العصيب. ولا مفر من الحساب الدقيق والجزاء العادل ، الذي لا يغني فيه والد عن ولده. ولا مولود عن والده (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) وما فيها من متاع ولهو ومشغلة. فهي مهلة محدودة. وهي ابتلاء واستحقاق وجزاء. (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) .. من متاع يلهي. أو شغل ينسي. أو شيطان يغوي.
فالغرور بالمال شيطان. والغرور بالعلم شيطان. والغرور بالعمر شيطان. والغرور بالقوى شيطان. والغرور بالسلطان شيطان. ودفعة الهوى شيطان. ونزوة الشهوة شيطان. ولا عاصم ولا مانع ولا رادع