(هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً). فيا للهول زلزل قلوب المؤمنين. ويا له من خوف روع الافئدة والبصائر.
(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) فقد وجد هؤلاء المنافقون فرصة لأظهار ما يضمرون. واظهار الكرب والشدة الآخذة بالخناق. لقد وجدوا فرصة سانحة للكشف عن خبيئة نفوسهم وهم آمنون من ان يتهمهم أحد بما يقولون. وفرصة للتوهين والتخذيل. وبث الشك والريبة في وعد الله ووعد رسوله. وهم مطمئنون ان يأخذهم احد بما يقولون. فالواقع بظاهره يصدقهم في التوهين والتشكيك وهم مع هذا منطلقون مع انفسهم ومشاعرهم. فالهول قد أزاح عنهم ذلك الستار الرقيق من التجميل. وروع نفوسهم ترويعا لا يثبت له ايمانهم المهلهل. فجهروا بحقيقة ما يضمرون به. ومثل هؤلاء المنافقين والمرجفين قائمون في كل جماعة وفي كل زمان ومكان حتى عصرنا. (وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا).
فهم يحرضون اهل المدينة على ترك الصفوف والعودة الى بيوتهم الضعيفة فيها. ثغرة الخوف على النساء والذراري. والخطر محدق بحجة ان اقامتهم امام الخندق مرابطين هكذا. لا موضع لها ولا محل وبيوتهم معرضة للخطر ورائهم وهي دعوة خبيثة تأتي النفوس من الثغرة والهول جامع. والظنون لا تثبت ولا تستقر.
(وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ. يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ).
يستأذنون بحجة ان بيوتهم مكشوفة للعدو. متروكة بلا حماية (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها. ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها ...)