ذلك كان شأنهم والاعداء بعدهم خارج المدينة. ولم يعد. هكذا يكشفهم القرآن ويقف نفوسهم عارية من كل ستار. (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ ..) (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ ..)
ان قدر الله هو المسيطر على الاحداث والمصائر. يدفعها في الطريق المرسوم. وينتهي بها حيث يريد. والموت والقتل قدر لا مفر منه والفرار لا يستقدم لحظة ولا يستأخر لحظة والامر لله.
فالاستسلام والطاعة والوفاء بالعهد مع الله. في السراء والضراء. وارجاع الامر اليه والتوكل الكامل عليه. ثم يفعل الله ما يشاء هو الربح والفوز والسعادة لأهل الايمان. (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا ..)
ويبدأ هذا النص بتقرير علم الله المؤكد بالمعوقين. الذين يسعون بالتخذيل في صفوف الجماعة المسلمة. الذين يدعون اخوانهم الى القعود عن الجهاد في سبيل الله (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً) (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ).
وهي صورة شاخصة. واضحة الملامح. متحركة الجوارح. وهي في الوقت ذاته مضحكة تثير السخرية من هذا الصنف الجبان. الذي تنطق أوصاله وجوارحه في لحظة الخوف بالجبن. (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) فاذا ذهب العدو ارتفعت اصواتهم بعد الارتعاش ونفشوا بعد الانزواء. وادعوا في غير حياء (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ).
فلا يبذلون للخير شيئا من طاقتهم وجهدهم واموالهم وانفسهم. وهذا النموذج من الناس لا ينقطع في جيل ولا قبيل. فهو موجود دائما. وهو شجاع فصيح بارز. حين الامن والرخاء وهو جبان صامت منزو حين الشدة والخوف. وهو شحيح على الخير (أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا