وفي هذا ما فيه من تلقين جليل مستمر المدى بعدم الرضا لحكم الأجنبي والخضوع والاستسلام له وحفز المسلم على التمرّد عليه والتخلّص من سيطرته وبذل ما يستطيع من جهد في هذا السبيل. وفي هذه السورة آيات مؤيدة لهذا التلقين وهي الآيات [٧٦ و ٩٧ ـ ١٠٠] على ما سوف نشرحه بعد.
ولقد روى المفسرون أقوالا عن ابن عباس وبعض التابعين أن (وَأُولِي الْأَمْرِ) الذين تجب طاعتهم هم أولو العلم والفقه كما رووا عن بعض التابعين أنهم الولاة والحكام. وقد صوب الطبري القول الثاني دون الأول استئناسا بالأحاديث النبوية التي رويناها قبل واستنادا إليها وهو الحقّ والصواب فيما يتبادر لنا مع القول إن المقصود بهم في حياة النبي صلىاللهعليهوسلم ـ لأن الآية تشمل ذلك ـ هم الذين كان النبي ينتدبهم لقيادة الجيوش والمهمات الأخرى التي يكون لهم فيها حق الأمر على من معهم من المسلمين كما هو المتبادر. وهناك حديث رواه الشيخان والنسائي عن أبي هريرة فيه تأييد لذلك جاء فيه «قال النبي صلىاللهعليهوسلم من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني» (١). ومن المعروف اليقيني أنه لم يكن في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم وبعده بمدة ما طبقة يمكن أن توصف بأولي العلم والفقه يمكن أن يراجعها الناس أو تتصدى للأمر والنهي فيهم بهذه الصفة وهذا مما يوجه ويقوي ترجيح الطبري والله أعلم.
وننبّه على أننا لا نريد بهذا أن نضعف حق العلماء بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى ما فيه الخير والسداد والحقّ من شؤون دينية وغير دينية ولا واجب عامة المسلمين بطاعتهم في ذلك. وفي سورة المائدة آية تندد بالأحبار والربانيين لأنهم لا ينهون عامة اليهود عن قول الإثم وأكل السحت وهي الآية [٦٣] حيث يمكن أن تلهم أن من واجب العلماء أن يأمروا العامة بالمعروف وينهوهم عن المنكر. وهناك آية أخرى في سورة الأنبياء تأمر السامعين بسؤال أهل العلم وهي الآية المنكر. وفي سورتي النحل والأنبياء آيتان تأمران السامعين بسؤال أهل العلم
__________________
(١) التاج ج ٣ ص ٤٠.