في حين لو كان من عند غير الله لوجدوا من ذلك الشيء الكثير.
تعليق على الآية
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)
ولقد تعددت روايات المفسرين عن أهل التأويل في صدد الاختلاف الذي كان يمكن أن يجدوه في القرآن لو كان من عند غير الله. من ذلك : الخلط والتناقض فيما هو حق وما هو باطل ، وما هو خير وما هو شرّ ، وما هو صواب وما هو خطأ. ومن ذلك أنه التفاوت البياني حيث لا يأتي القرآن على وتيرة واحدة أو طبقة واحدة من البلاغة والفصاحة. ومن ذلك أنه التناقض في الأخبار والتقريرات الغيبية والكونية. ومن ذلك أنه التناقض في التحليل والتحريم والحل والإباحة. ومن ذلك أنه التناقض في المبادئ والمقاصد. وأكثر هذه الأقوال معزوة إلى ابن عباس وغيره من أصحاب رسول الله وتابعيهم.
ومع أن جميع هذه الأقوال واردة في صدد مدى الآية العام فإن الذي يتبادر لنا ونراه متسقا مع سياق الآيات السابقة ـ والآيتان جزء من السياق كما قلنا ـ أن المنافقين اتخذوا أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بكفّ الأيدي عن القتال ثم فرضه والدعوة إليه ـ وهذا ما أشير إليه في بعض الآيات السابقة ـ حجة للقول بأن النبي متناقض في أوامره ونواهيه. فاحتوت الآية ما احتوته من ردّ وتحدّ على النحو الذي شرحناه بأسلوب قوي التقرير بأن ذلك هو الحقّ الذي لا يتحمل مراء.
ومع أن المتبادر أن ذلك التقرير متصل مباشرة بموضوع الكلام السابق على ما نبهنا عليه فإنّ الردّ والتحدي جاءا بأسلوب عام ومطلق ينطبقان ويشملان كل ما جاء في القرآن المكي والمدني على السواء إذا ما نظر فيه بتدبر وتفكر مرتفعين إلى مستوى سموّ الهدف القرآني ومجردين عن الغرض والتعنت والرغبة في المراء واللعب بالألفاظ والتمحل في المسائل الوسائلية والمتشابهات حيث يجد المتدبر فيه بهذه الروح أن الأسس والمبادئ والأهداف والتقريرات والآيات المحكمات