المدني. فالمتبادر أن حادثا ما وقع في وقت مبكر نوعا ما فكان سببا لنزول الآيات جملة تامة لتكون تشريعا مستمرا.
وينطوي في مضمون الآيات وروحها توكيد على عدم التهاون في أداء الصلاة في أوقاتها حتى في ظروف الخوف والخطر مع إباحة اختصارها في هذه الظروف. وفي هذا ما فيه من تلقين عظيم بما للصلاة عند الله من خطورة عظمى مما نبهنا عليه في سياق تفسير سورة العلق. ولقد روى الخمسة عن ابن عمر حديثا جاء فيه فيما جاء «فإذا كان خوف أكثر من ذلك فصلّ راكبا أو قائما تومىء إيماء» (١). وهناك حديث رواه أصحاب السنن عن جابر قال «بعثني رسول الله في حاجة فجئت وهو يصلّي على راحلته نحو المشرق والسجود أخفض من الركوع» (٢) حيث ينطوي في الحديثين توكيد واجب أداء الصلاة في أوقاتها على كل حال.
ولقد روى المفسرون (٣) بدون عزو أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يؤخر الصلاة لوقت آخر إذا كان في حالة حرب أو خوف ويسمح للمسلمين بذلك إلى أن نزلت هذه الآيات. وفي هذا إن صحّ ولا مانع من صحته توكيد لخطورة ذلك الواجب.
وهناك أحاديث صحيحة في كيفية صلاة الخوف التي صلاها النبي بأصحابه. منها حديث رواه الخمسة عن ابن عمر قال «صلّى رسول الله صلاة الخوف في بعض أيامه فقامت طائفة معه وطائفة بإزاء العدو فصلّى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا وجاء الآخرون فصلّى بهم ركعة. ثم قضت الطائفتان ركعة ركعة» (٤). ومنها حديث رواه مسلم وأبو داود عن أبي بكرة قال «صلّى النبي في خوف الظهر فصفّ بعضهم خلفه وبعضهم إزاء العدو فصلّى بمن خلفه ركعتين ثم سلّم فانطلق الذين صلّوا معه فوقفوا موقف أصحابهم ثم جاء أولئك فصلّوا خلفه فصلّى بهم ركعتين ثم سلّم.
__________________
(١) التاج ج ١ ص ٢٦٣ و ٢٣٧.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) انظر ابن كثير وغيره.
(٤) التاج ج ١ ص ٢٦٣ و ٢٦٤.