الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلّا اتباع الظن) تفيد أن هذا الأمر لم يكن من المسلمات في زمن نزول القرآن بل كان مثار جدل وشك بين الناس وبين النصارى في الجملة. والمدونات القديمة مؤيدة لذلك. وإذا كانت الأناجيل المعترف بها المتداولة مجمعة على ذلك فلا يعني هذا أنه لم يكن أناجيل وأسفار مناقضة لذلك فبادت أو أبيدت. والقرآن بعد لا ينفي الصلب والقتل وإنما ينفيهما عن شخص المسيح مع إلهامه بإيقاعهما على شبيه له. وقد يكون هذا هو أصل التواتر المسيحي ولا يصح أن يكون حجة ضد تقرير القرآن كما هو المتبادر. والروايات تذكر مسألة التشبيه للمسيح على ما شرحناه قبل.
وقد حاول مبشر نصراني سمّى نفسه الأستاذ حداد في كتاب له عنوانه (القرآن والكتاب) تأويل العبارة القرآنية (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) بما يتفق مع العقيدة النصرانية فقال إنها إنما تنفي كون اليهود قتلوه بمعنى أماتوه وأعدموا وجوده بالمرة وإن هذا هو الذي شبّه لهم أنهم فعلوه ولم يفعلوه. وفي هذا تمحل وتعسف. فالمؤولون والمفسرون بدون خلاف أولوا وفسروا الجملة القرآنية بالصلب والقتل فعلا اللذين ينفيهما القرآن وأولوا جملة (شُبِّهَ لَهُمْ) بأن المقصود منها المسيح. والمدونات والروايات القديمة تؤيد هذا التفسير والتأويل على ما شرحناه آنفا.
ولقد تعددت التأويلات التي يرويها المفسرون (١) عن أهل التأويل من الصدر الأول كابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن وغيرهم لجملة (وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) للتوفيق بينها وبين آية آل عمران [٥٥] التي تذكر أن الله رافعه إليه بعد توفّيه (يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) ولقد علقنا على هذه المسألة في تفسير آية آل عمران. وإذا كان من شيء نقوله هنا فهو أن العبارة القرآنية في آية النساء التي نحن في صددها لا تتناقض مع آية آل عمران كما هو المتبادر لنا.
__________________
(١) انظر كتب تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والزمخشري والخازن وغيرهم.