كذلك تعددت التأويلات التي يرويها المفسرون عن أهل التأويل من الصدر الإسلامي الأول المذكورين آنفا لجملة (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) من ذلك أن الضمير (بِهِ) عائد إلى النبي محمد صلىاللهعليهوسلم بمعنى أن كل كتابي يهوديا كان أم نصرانيا سيدرك عند موته صدق رسالته ويؤمن بها مع قولهم إن هذا لا ينفعهم لأن التوبة لا تنفع عند الموت. ولقد فنّد الطبري هذا القول لأن النبي لم يذكر في السياق حتى يصح عودة الضمير إليه. ورجح أن يكون الضمير عائدا إلى عيسى وهو الأوجه الذي ذهب إليه جمهور المؤولين. وقد فرعوا على هذا القول بأنه يحتمل أن يكون في معنيين الأول أن كل كتابي يهوديا كان أم نصرانيا لا بدّ من أن يؤمن عند موته بحقيقة عيسى المقررة في القرآن بأنه عبد الله ورسوله مع القول إن هذا لا ينفعهم. والثاني أن كل كتابي لا بد من أن يؤمن بحقيقة عيسى قبل موت عيسى نفسه. ولحظ بعضهم أن موت عيسى إنما سيكون بعد مجيئه في آخر الزمن مرة أخرى والذي أخبر عنه النبي صلىاللهعليهوسلم في أحاديث صحيحة أوردناها وعلقنا عليها في سياق الآية [٥٦] من سورة غافر وأن جمهورا كبيرا من الكتابيين يكونون قد ماتوا قبل ذلك خلال الأحقاب الطويلة فقال إن المقصود هم الباقون أحياء من اليهود والنصارى عند مجيئه آخر الزمان. ونصّ الآية قوي في شموله لكل كتابي بحيث يكون هذا الاستدراك غير شاف وبحيث يبقى الأكثر ورودا هو المعنى الأول. وهو إيمان كل كتابي بحقيقة عيسى قبل موته وهذا ما عليه الجمهور. وما دامت الآية تلهم أن هذا هو الأقوى فيجب التسليم به مع القول إنه يدخل في نطاق الأمور الإيمانية الغيبية وإذا لم يمكن ماديا وفعلا فلا يمكن إثبات بطلانه كذلك. ومع واجب الإيمان بذلك فقد يمكن أن يكون من حكمة تقريره بالأسلوب القوي الذي جاء به توكيد صدق رسالة النبي محمد صلىاللهعليهوسلم وعمومها وتثبيت معتنقيها والله تعالى أعلم.
والأناجيل المتداولة تذكر أن حاكم الرومان في القدس هو الذي أمر بالقبض على المسيح وصلبه حتى الموت وتذكر أن ذلك كان بتحريض وإصرار اليهود