ومن الجدير بالذكر أن الأحداث المروية عن ما كان يفعله النبي صلىاللهعليهوسلم في الأسرى تفيد أنه كان أكثر ما يمارس المنّ والفداء وأنه لم يمارس القتل إلّا في النّضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط لشدة أذاهما وأنه لم يمارس القتل والاسترقاق إلّا في بني قريظة لشدة خطورة موقف الغدر والخيانة الذي وقفوه على ما شرحناه في سياق تفسير سورتي الأنفال والأحزاب وأن استرقاق سبي بني المصطلق وهوازن لم يستمر واستبدل بالمنّ. ولقد روى الإمام أبو عبيد أن النبي صلىاللهعليهوسلم أرسل مناديا يوم الفتح ينادي (ألّا يقتلنّ أسير ولا يتبع هارب ولا يجهز على جريح ومن أغلق بابه فهو آمن). بحيث يسوغ القول إن المنّ والفداء هما الأكثر رعاية في سنن النبي وأن القتل والاسترقاق وبخاصة القتل لم يطبقا إلّا في ظروف خاصة اقتضتهما.
وإذا لوحظ أن عادة استرقاق أسرى الحرب التي كانت عامة في جميع الأمم والبلاد كانت المصدر الرئيسي لعادة الاسترقاق الإنساني التي ظلت جارية في كثير من البلاد الإسلامية مدة طويلة إلى عهد قريب حتى أن كلمة (الأسير) جاءت في آية قرآنية مرادفة للمملوك (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) الإنسان [٨] ثم إذا لوحظ أن آية سورة محمد هي التي احتوت تشريعا مطلقا في ما ينبغي عمله في الأسرى وأن هذا التشريع هو المنّ أو الفداء ظهرت لنا روعة هذا التشريع بتوجيهه ضربة حاسمة إلى هذه العادة. ولا يخفف من شدة الضربة طريقتا القتل والاسترقاق الجائزتان في الإسلام من حيث إنهما ليستا إلزاميتين وإنهما إنما طبقتا في ظروف خاصة. وإذا أضفنا إلى ذلك ما احتواه القرآن من وسائل عديدة لتحرير الرقيق والحث عليه كما مرّ شرحه في تفسير سورة البلد والبقرة والنساء وغيرها ظهر واضحا أن القرآن قد هدف إلى إلغاء الرقّ بالمرة في كل ذلك حيث تزداد روعة الهدف القرآني قوة وسطوعا. وما جاء في القرآن من أحكام متصلة بالرق لم يكن من قبيل الإنشاء وإنما كان من قبيل تنظيم أمر واقع في نطاق الحق والبرّ والإحسان مع الحث على تحريره وتشريع وسائل ذلك على ما شرحناه في تفسير سورة البلد.