(٥) وقد نبهت الآيات إلى أن ما رسم فيها هو حدود الله التي لا تجوز مخالفتها. وأن من يتعداها يكون قد ظلم نفسه بما يعرضها له من الضرر في حياته ومن غضب الله وسخطه. وأن من يتقيه ويتوكل عليه ييسر له المخارج من المأزق ويرزقه من حيث لا يتوقع. وأن الله قد جعل لكل شيء حدّا مقدرا وأن في ذلك تحقيق الأمر الذي اقتضته حكمته.
وواضح أن التنبيهات التي شرحناها في الفقرة الخامسة هي بسبيل تدعيم ما احتوته الآيات من حدود وأحكام. وهي قوية نافذة إلى القلوب والعقول معا.
ولقد روى ابن كثير في سياق هذه الآيات عن أنس «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم طلق زوجته حفصة فأتت أهلها فأنزل الله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) الآية ، فقيل له راجعها فإنما هي صوامة قوامة وهي من نسائك في الجنة فراجعها». وهذا النصّ لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة ولكن الخبر ورد فيها حيث روى أبو داود والنسائي عن عمر «أن النبي صلىاللهعليهوسلم طلّق حفصة ثم راجعها» (١) وليس في هذا النص إشارة إلى أن ذلك كان مناسبة لنزول الآيات.
وهذه الآية مع الآيات الست التالية لها في صدد واحد. وفيها توضيح لمسائل عديدة مما قد يسوغ القول إن الأمر أعمّ من طلاق عادي صدر من رسول الله لبعض زوجاته. وأنه قد وقعت أحداث متنوعة لم تكن آيات سورة البقرة في الطلاق كافية لبيان الحكم فيها فاقتضت حكمة التنزيل إنزال الآيات. والله أعلم.
ولقد شرحنا كيفية الطلاق الرجعي ومسألة الطلاق الباتّ مرة واحدة. وأوردنا الأحاديث الواردة في ذلك في سياق شرح آيات الطلاق في سورة البقرة فلا نرى حاجة إلى الإعادة. وإنما نقول في مناسبة الآيات التي نحن في صددها إن فيها وبنوع خاص في الأولى منها دليلا قرآنيا ثانيا على أن التطليق الشرعي هو تطليق رجعي طهرا بعد طهر. وإن التطليق الباتّ مرة واحدة ليس تطليقا شرعيا قرآنيا. أما
__________________
(١) انظر التاج ج ٢ ص ٣١٢.