تعليق على الآية
(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ
يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦))
والآيتين التاليتين لها وما ورد في صدد فضل المساجد وآدابها
قال بعض المفسرين : إن (فِي) متعلقة بمحذوف تقديره (سبحوا) أي سبحوا الله في بيوت أذن الله أن ترفع (١). وهذا يجعل الآيات فصلا جديدا متصلا بما بعده ، غير أن معظم المفسرين قالوا إنها متعلقة بالمشكاة التي مثل الله نوره في الآية السابقة بنورها ، على اعتبار أن مشاكي بيوت العبادة أكبر المشاكي ونورها أقوى الأنوار (٢). ونحن نرجح هذا على القول الأول لأنه متسق مع معنى الآيات ومداها. وبذلك تكون هذه الآيات بمثابة استطراد وانتقال لتقرر أن نور الله قوي هاد كنور المشكاة الكبيرة ذات النور الساطع التي تكون في بيوت العبادة التي أمر الله برفع أركانها وتكريمها بذكر اسمه والتي يسبح له فيها عباده المهتدون بنوره الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكره وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، حاسبين حساب اليوم الآخر الذي تضطرب فيه القلوب وتزيغ الأبصار. ولسوف يجزيهم الله جزاء يتكافأ مع أحسن أعمالهم ويزيدهم من فضله أيضا. وهو الواسع الفضل ، إذا أعطى أحدا فإنه يعطيه بدون حساب.
والمعنى مستقيم بهذا الشرح كما هو واضح. ومع أن ذكر بيوت الله جاء إتماما لمدى تمثيل نور الله بالمشكاة فالمتبادر أن ذكر عباد الله قد جاء بمثابة استطراد. وليس هذا غريبا في النظم القرآني. وقد تضمن الاستطراد في الوقت نفسه تنويها ببيوت العبادة وإيجاب تكريمها وتطهيرها. وبعباد الله المخلصين واهتدائهم بنور الله وما يسّره لهم هذا النور من السير في الطريق القويم الذي نجحوا به وسعدوا.
__________________
(١) انظر الزمخشري والنسفي.
(٢) انظر الطبري والنيسابوري والبغوي والخازن وابن كثير. والزمخشري والنسفي قد أوردا القول الثاني أيضا.