ويلمح في الآيات طبيعة المنافقين في التظاهر والمواربة ومحاولة الإقناع بإخلاصهم. وهو ما يلمح في آيات كثيرة بعد هذه السورة أيضا. والسورة على الأرجح قد نزلت بعد قطع دابر اليهود في المدينة على ما مرّ ذكره في سور سابقة. وهذا ما يسوغ القول إن موقف المنافقين قد أخذ يتطور وحالتهم أخذت تضعف بعد ذلك فصار يبدو منهم ما حكته هذه الآيات وغيرها من التظاهر والانصياع.
ومع خصوصية الآيات الزمنية فإنها هي الأخرى تحتوي تلقينا عاما في تقبيح موقف مرضى القلوب في التظاهر بالإخلاص مع خلوهم منه والادعاء كذبا باستعدادهم للتضامن مع المسلمين ولا سيما في ظروف النضال التي يكون التضامن فيها واجبا عاما يصيبهم نفعه إذا قاموا به وينالهم ضرره إذا قصروا فيه.
(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٥٥) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٥٧)) [٥٥ ـ ٥٧].
تعليق على الآية
(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) ... إلخ
والآيتين التاليتين لها وما فيها من دلالة على قيام الدولة
الإسلامية ومن تلقينات وحقائق اجتماعية خالدة ومن
معجزة تحققت في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم وخلفائه من بعده
عبارة الآيات واضحة. وفيها :
(١) إيذان بوعد الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات باستخلافهم في الأرض