ولقد قال المفسرون في تأويل جملة (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) إنها تعني من كفر بنعمة الله من المسلمين وانحرف عن طاعة الله ورسوله (١). وهو وجيه متسق مع روح الجملة. وفي الجملة على ضوء هذا التأويل حقيقة اجتماعية خالدة أخرى وهي أن ما يمكن أن يحلّ بالمسلمين من ذلّ وضعف واندحار وخذلان بعد أن يكونوا قد صاروا إلى ما صاروا إليه من ثروة وعزة وسؤدد وانتشار سلطان ودين ـ إنما يكون بسبب انحرافهم عن الطريقة المثلى التي تحققت بها المعجزة القرآنية. وهذا مما كان وظل يتحقق في المسلمين وبلادهم حينما كانوا ينحرفون عن دينهم ويقصرون في ما أوجبه الله عليهم من عمل الصالحات على مداها الواسع الذي شرحناه.
ومع ذلك فهناك حديث يحسن أن يساق في هذا المساق أورده ابن كثير وهو من مرويات مسلم والترمذي وأبي داود عن ثوبان عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «لا تزال طائفة من أمتي على الحقّ ظاهرين لا يضرهم من يخذلهم حتى يأتي أمر الله» (٢).
وينطوي في الحديث بشرى عظيمة حتى في حال عدم تحقق الشرط في جمع المسلمين حيث يبشر رسول الله بأن هذا الشرط سيكون متحققا ولو في فئة منهم وسيجعلهم أعزاء ظاهرين على الحق. وهو ما كان وما يزال يتحقق في مختلف البقاع والأزمان من لدن العهد النبوي كنتيجة لتحقق ذلك الشرط الرائع في فئة من المسلمين.
تأويل الشيعة لبعض الآيات السابقة والتعليق عليه
ولقد وقف مفسرو (٣) الشيعة عند جملة (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) فرووا عن أئمتهم : علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله أنها في
__________________
(١) انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير.
(٢) التاج ج ٥ ص ٣١٣.
(٣) انظر تفسير الطبرسي. وننبه على أن هذا المفسر أورد في الوقت نفسه تأويلات للآية متسقة مع تأويلات المفسرين السنيين ومع روح الآيات وفحواها.