يسوغ القول إن ما احتوته من أدب وتأديب وتنبيه موجّه إلى الجنسين معا. واستتباعا لذلك يسوغ القول إنه ليس من حرج في أن يتشارك الرجال والنساء معا في الأكل من مائدة واحدة سواء أكانوا أقارب ومحارم وتابعين أم أصدقاء أباعد إذا ما لزمت المرأة الاحتشام في اللباس على النحو الذي شرحناه قبل.
وهناك أحاديث نبوية فيها توضيح وتساوق مع الآية. من ذلك حديث رواه أبو داود جاء فيه «قال جماعة يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع. قال فلعلّكم تفترقون. قالوا نعم قال فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه» (١). وحديث رواه ابن ماجه عن عمر بن الخطاب «إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال كلوا جميعا ولا تفرقوا فإن البركة في الجماعة» (٢). حيث ينطوي في الحديثين تشجيع على التآلف والتجمع في مناسبات الطعام لما في ذلك من توثيق المودة والمحبة وأول ما ينصرف هذا التشجيع النبوي إلى تجمع الأسرة الواحدة على الطعام. وهناك أحاديث نبوية تفيد أن النساء كن يحضرن الطعام مع الرجال. منها حديث رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن حذيفة قال «كنّا إذا حضرنا مع النبي صلىاللهعليهوسلم طعاما لم نضع يدنا حتى يبدأ رسول الله وإنّا حضرنا معه مرة طعاما فجاءت جارية كأنها تدفع لتضع يدها في الطعام فأخذ النبي صلىاللهعليهوسلم بيدها ، ثم جاء أعرابي كأنه يدفع فأخذ بيده. فقال إن الشيطان يستحلّ الطعام إلّا بذكر اسم الله عليه وإنه جاء بهذه الجارية ليستحلّ بها فأخذت بيدها فجاء بهذا الأعرابي ليستحلّ به فأخذت بيده والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها». وفي الحديث ما يفيد أن الإناث كن يحضرن الطعام مع الرجال. مع إفادته وجوب تسمية الله قبل الأكل. وقد أخذ النبي بيد الجارية والأعرابي لأنهما لم يسميا أي لم يذكرا اسم الله قبل الأكل.
وروى الشيخان عن أبي سعيد الساعدي «إنه دعا رسول الله في عرسه وكانت امرأته يؤمئذ خادمتهم وهي العروس فلما أكل رسول الله صلىاللهعليهوسلم سقته نقيع تمر كانت
__________________
(١) التاج ج ٣ ص ١١٨.
(٢) أورد هذا الحديث ابن كثير في تفسير الآية وهناك أحاديث أخرى من بابها أوردها آخرون في مجمع الزوائد.