وفي حكاية قول الكفار السابقين حينما كانت تأتيهم رسلهم (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) تنديد بالكافرين برسالة النبي صلىاللهعليهوسلم الذين كان يصدر منهم مثل هذا القول على ما حكته آيات عديدة في سور سابقة. منها آية سورة الإسراء هذه (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً (٩٣) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) (٩٤) فكأنما أريد أن يقال لهم : إنكم إذا قلتم هذا فقد قاله أمثالكم من قبل وكان من أسباب كفرهم واستحقاقهم لنكال الله وعذابه. وإن الله لمستغن عنكم كما استغنى عمن قبلكم وهو الغني الحميد.
وفي جملة (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) تذكير للإنسان بما ميزه الله على غيره من خلقه بالمميزات المتنوعة. وبما يوجبه ذلك عليه من الاعتراف بفضله والاستجابة إلى دعوته. وقد انطوى هذا في آيات عديدة في سور سبق تفسرها.
تأويل الكلاميين لجملة
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) وتعليق عليه
ولقد وقف المفسرون عند هذه الجملة وأوردوا مذاهب الكلاميين فيها من حيث الجبر والاختيار. حيث يرى أصحاب المذهب الأول فيها دليلا على مذهبهم بتقدير الله عزوجل الكفر والإيمان على الناس. وقد أوردوا حديثا نبويا للتدليل على ذلك روي عن أنس عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «وكل الله بالرحم ملكا. فيقول أي ربّ نطفة ، أي ربّ علقة ، أي ربّ مضغة ، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال يا ربّ أذكر أم أنثى. أشقي أم سعيد ، فما الرزق ، فما الأجل فيكتب كذلك في بطن أمه» (١) وحيث ينكر أصحاب المذهب الثاني ذلك ويقولون إن معنى الآية هو أن الله خلق الناس فمنهم من اختار الكفر ومنهم من اختار الإيمان وذكروا آية سورة الكهف (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [٢٩].
__________________
(١) الحديث من تفسير البغوي.