من أجل إخافته السبيل من غير أن يقتل أو يأخذ مالا فذلك تقدم على الله ورسوله بالخلاف عليهما في الحكم.
وواضح أن كلام الطبري مساق في صدد المسلم المحارب دون الكافر. وقد يكون هذا الكلام حينئذ في محلّه غير أنه لا يحجب وجاهة قول من قال إن للإمام أن يعاقب بآية عقوبة من العقوبات الواردة في الآية من حيث إن الأفعال التي عددها المفسرون والفقهاء واصطلحوا على تسميتها بالحرابة هي أعمال غير عادية من شأنها إقلاق أمن المجتمع وإثارة الاضطراب وتعريضه للخطر وإيقاع الأضرار بنفوس الناس وأموالهم وأعراضهم وتقتضي إجراءات رادعة غير عادية ولو لم ينتج عنها فعلا إزهاق أرواح وأخذ أموال. فيكون للإمام تقدير الموقف وتطبيق العقوبة الرادعة المتناسبة معها. أما الكافر الذي يقدر عليه قبل توبته فيعامل معاملة الكافر الذي سبق ذكرها. والله تعالى أعلم.
ولقد أورد المفسرون تأويلات عديدة لجملتي (أَوْ يُصَلَّبُوا) و (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ). فمما قيل في تأويل الأولى إن الصلب للتشهير كما قيل إن الصلب من أشكال القتل حيث يصلب المجرم حيا ثم يطعن بالرمح حتى يموت أو يترك مصلوبا إلى أن يموت. وكلا القولين سديد. ولعل مما يصح أن يزاد عليهما احتمال كونها بمعنى الشنق حيث جرت العادة من القديم على إعدام المجرمين شنقا.
ومما قيل في تأويل الثانية إنها بمعنى مطاردة المحارب حتى يضطر إلى الخروج فيخلص الناس من شرّه. كما قيل إنها بمعنى إخراجه بالقوة من البلد الذي عاث فيه فسادا إلى بلد آخر وحبسه فيه حتى يتوب ويغلب صلاحه. وقد صوّب الطبري القول الثاني وروى عن الحسن وعكرمة أنهما منعا اضطرار المسلم إلى الخروج إلى دار شرك. والكلام والحالة هذه يدور حول تعليق الجملة على المسلم المحارب دون الكافر. ويكون تصويب الطبري في محلّه على شرط أن لا يكون المجرم قد قتل ونهب ودمّر وهتك عرضا وأن يكون كل عمله إخافة الناس وإثارة