الاضطراب والقلق. أما إذا فعل الأفعال المذكورة فلا يعقل أن يكون كل جزائه الاعتقال والحبس حتى يتوب ويصلح أو يستريح الناس من عيثه. ولا بدّ من مطاردته واعتقاله بالقوة وتطبق العقوبات عليه. إلا أن يضطر إلى الخروج من البلاد. ويجب مع ذلك أن يظل مرصودا للاعتقال والعقاب. أما الكافر فقد يكون اضطراره إلى الخروج من دار الإسلام نتيجة لمطاردته هو معنى نفيه. لأنه لا يصح أن يكتفي السلطان الإسلامي بنفيه إذا ما قدر عليه. حتى ولو لم يكن قد قتل أحدا أو نهب مالا أو هتك عرضا. فهو كافر عدوّ فيطبق عليه حكم الكافر إذا وقع في الأسر المشروح سابقا. والله تعالى أعلم.
والجملة الأخيرة من الآية الأولى صريحة بأن العقوبات المذكورة فيها للمحارب لا تعفيه من عذاب الله العظيم في الآخرة. فهي عقوبة ردع وزجر لصلاح المجتمع فيكون ذلك خزيا له في الدنيا بالإضافة إلى عذاب الله العظيم في الآخرة. ومع الإيمان بحقيقة وعيد الله الأخروي فقد يكون من الحكمة فيه زيادة التشديد على المحارب وتعظيم جريمته وترهيبه ليرعوي عن موقفه والله أعلم.
ولقد أورد ابن كثير بعض الأحاديث النبوية في سياق الآية الثانية وبخاصة الجملة الأخيرة منها ، منها حديث عن عبادة بن الصامت قال إنه رواه مسلم. وقد ورد حديث مقارب له في التاج برواية البخاري ومسلم والترمذي والنسائي هذا نصّه «قال عبادة كنّا مع النبي صلىاللهعليهوسلم في مجلس فقال تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلّا بالحقّ فمن وفى فأجره على الله ومن أصاب شيئا من ذلك فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له. ومن أصاب شيئا من ذلك فستره الله فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذّبه ، فبايعناه على ذلك» (١) وحديث رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن علي قال «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أذنب ذنبا في الدنيا فعوقب عليه فالله أعدل من أن يثنّي عقوبة على عبده ومن أذنب ذنبا في الدنيا فستره الله عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود عليه في شيء قد عفا عنه».
__________________
(١) التاج ج ٣ ص ٣٤.