حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني بمنتهى القوة والروعة وبخاصة في ما ينطوي في بعضها من حثّ قوي على إنكار الظلم والإثم والانحراف على الحاكم والسلطان الجائر.
ولا شكّ أن في الآيات على ضوء الأحاديث النبوية التي تورد في سياقها تلقينا اجتماعيا جليلا يصحّ أن يكون منبع إلهام في كل ظرف. فمصلحة المجتمع وقوته وطمأنينته وخيره وصلاحه تقوم إلى أبعد حدّ على التعاون على الخير والمعروف والأمر بهما والتناهي عن الشرّ والمنكر وإنكارهما. والمجتمع الذي يستشري فيه الإثم والمنكر وتضعف فيه الدعوة إلى إنكارهما والنهي عنهما يكون مجتمعا فاسدا معرضا للانحلال وعرضة لنقمة الله ولعنته. ولقد تكرر في القرآن تقرير هذه المعاني بأساليب متنوعة مما مرّ منه أمثلة في السور التي سبق تفسيرها.
(تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (٨٠) وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٨١)) [٨٠ ـ ٨١].
تعليق على الآية
(تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...)
والآية التالية لها وما فيها من صور
لم يرو المفسرون فيما اطلعنا عليه رواية خاصة بنزول الآيتين والمتبادر أن الضمير في (مِنْهُمْ) عائد إلى بني إسرائيل (١) الذين كانوا موضوع الكلام في الآيتين السابقتين. وهكذا يصح القول إن الآيتين متصلتان بالسياق السابق واستمرار له. وروح الآيتين وفحواهما يلهمان أن المقصود بهما بنو إسرائيل المعاصرين للنبي صلىاللهعليهوسلم في المدينة. وهكذا ينتقل الكلام عن أخلاق اليهود ومواقفهم من الماضي
__________________
(١) ذكر هذا الطبري أيضا.