يؤيدان ما قلنا من أن فصول هذه السورة قد ألّفت بعد تمام نزول ما اقتضت الحكمة أن تحتويه من فصول.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٩٢)). [٩٠ ـ ٩٢]
تعليق على الآية
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ ...) إلخ
والآيات الثلاث التي بعدها وما ينطوي فيها من دلالات وصور
وأحكام وتلقين وما ورد في صددها من أحاديث
عبارة الآيات واضحة. وقد تضمنت أمرا للمؤمنين باجتناب الخمر والميسر والأنصاب والأزلام. وبيانا بأن كلا منها رجس وشرّ واجب الاجتناب. وتنبيها على ما يؤدي إليه الخمر والميسر بخاصة بوسوسة الشيطان من العداوة والبغضاء بين المؤمنين ومنع متعاطيهما منهم عن ذكر الله وعن الصلاة. وسؤالا فيه معنى اللوم والتبكيت وإيجاب الانتهاء عمّا إذا كان المؤمنون منتهين بعد الآن عن هذين العملين المنكرين. وحثا على طاعة الله ورسوله فيما يأمرانهم به وينهيانهم عنه. وتحذيرا من المخالفة بأسلوب ينطوي على الإنذار. فإذا لم يحذروا فليس على الرسول إلّا البلاغ وأمرهم لله القادر عليهم.
ولقد روى الطبري حديثا جاء فيه «قال عمر : اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت آية البقرة [٢١٩] فدعي فقرئت عليه فقال اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت آية النساء [٤٣] فدعي فقرئت عليه فقال : اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت آية المائدة فدعي فقرئت عليه فقال : انتهينا انتهينا» (١) وإلى هذا
__________________
(١) هذا الحديث رواه أصحاب السنن أيضا انظر التاج ج ٤ ص ٩٤.