تعليق على الآية
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ ...)
والآيتين التاليتين لها وما فيها من أحكام وما ورد
في صددها من أحاديث وشرح لمعنى الكعبة
وقد روى البغوي في سياق الآية الأولى أنها نزلت عام الحديبية وكان المسلمون محرمين فابتلاهم الله بالصيد وكانت الوحوش تغشى رحالهم بكثرة فهمّوا بأخذها فنزلت. وروى أن الآية الثانية نزلت في رجل يقال له أبو اليسر شدّ على حمار وحش وهو محرم فقتله. ولم نطلع على رواية في مناسبة حلّ صيد البحر وطعامه. وهذه الروايات لم ترد في الصحاح ولا في تفسير الطبري.
ويلحظ أن الآيات وحدة منسجمة شكلا وموضوعا. وأن فيها موضوعا لم يذكر في روايات النزول وهو حلّ صيد البحر وطعامه مما يجعلنا نرجح نزول الآيات دفعة واحدة. ولا يمنع هذا أن يكون وقع ما ذكرته الروايات فكان ذلك مناسبة لنزول الفصل ليكون تشريعا تاما في موضوع الصيد في حالة الحرم.
وقد لا تبدو صلة ظرفية بين هذا الفصل والآيات السابقة له. ولكن التناسب الموضوعي ملموح لأنه فصل تشريعي كسابقه وفيه تشريع فيما يؤول إلى الأكل وقصده وهو الصيد. والمتبادر أن وضعه في مكانه بسبب ذلك إن لم يكن قد نزل بعد الآيات السابقة مباشرة.
ومع أننا لم نطلع على ما يفيد أن صيد البحر كان محظورا أو غير محظور في حالة الحرم قبل الإسلام فالذي نرجحه من مدى ومفهوم التقليد القديم في حظر الصيد المنبثق من حظر سفك الدم في حالة الإحرام أنه كان محظورا فاقتضت حكمة التنزيل إباحته ليكون ذلك تسهيلا للمسلمين عامة وللذين يأتون من المسافات البعيدة ويكون البحر طريقهم أو على طريقهم. وهذا يؤدي إلى القول أن المقصود من الجملة القرآنية إباحة صيد البحر وأكله في حالة الحرم كما هو المتبادر.