عند الحدود التي رسمها للحلال والحرام والطيّب والخبيث والنافع والضار والخير والشرّ. والعدل والإحسان والبغي والطغيان.
ولقد أتمت الآية الأخيرة هذا التلقين بما نبهت عليه من عدم جواز إقبال الناس على الخبيث والحرام والضارّ والشرّ انخداعا بمظهره وزخرفه ولذاته وسهولة الحصول عليه. ومن وجوب التفريق بينه وبين الطيب والحلال والنافع والخير وعدم التسوية بين هذا وذاك. وفي المقطع الأخير من الآية معنى قوي حيث وجّه الخطاب فيه لذوي العقول المفكرة على اعتبار أنهم يستطيعون التمييز وإدراك ما في تنبيه القرآن من حكمة وحقّ وأسباب نجاح وفلاح ويستطيعون أن يبينوه للناس. ويتقون الله ويدعون إلى تقواه.
وكل هذا متسق مع التقريرات والتلقينات القرآنية العامة على ما مرّ التنبيه إليه في مناسبات كثيرة سابقة. وكل هذا كذلك من مرشحات الشريعة الإسلامية للخلود لأنه متسق مع مصلحة الإنسانية وكرامتها وخيرها وصلاحها وطهارة روحها ولا يستطيع عاقل منصف في أي ظرف أن ينكره.
تعليق على مدى جملة (ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ)
ونقف عند مدى جملة (ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) لنقول إنها في مقامها تعني أن الرسول لم يرسل ليسيطر على أفعال العباد وقلوبهم وإنما ليكون مبلّغا عن الله فيما شاء من رسوم وحدود. وقد تكرر هذا في مثل هذا المقام في سور مكية ومدنية عديدة.
وليس بين هذا وبين ما أخذ النبي صلىاللهعليهوسلم يباشره في العهد المدني بخاصة من سلطان زمني على المسلمين ومن يدخل في ذمتهم ومن أعمال فيها مهمة الدولة والسلطان مثل تسيير وقيادة الجيوش والحرب والصلح وجباية الزكاة وقبض الزكاة وخمس الغنائم والفيء والتصرف فيها حسب الحدود المرسومة والقضاء بين المسلمين فيما يشجر بينهم من مشاكل ومنازعات وإقامة الحدود إلخ. فكل هذا