تعليق على الآية
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ...) وما ورد في
صددها من أحاديث وما فيها من تلقين
في الآية هتاف للمسلمين بأنهم إذا كانوا مهتدين بهدي الله ورسوله فلا يضرّهم من كفر وسلك غير سبيل الحقّ والهدى. فالجميع مرجعهم إلى الله تعالى وحينئذ ينبئهم بما عملوا ويجزيهم عليه بما استحقوا.
ولم نطلع على رواية خاصة في سبب نزول الآية. والمتبادر المستلهم من فحواها وروحها ومقامها أنها متصلة بالآيات السابقة اتصال تعقيب واستدراك وتسلية حيث تقول للمسلمين إن الكفار إذا كانوا يسيرون في تلك التقاليد ويعزونها إلى الله كذبا ويتمسكون بما كان عليه آباؤهم من سخف وضلال فأنتم غير مسؤولين عنهم. وإنما أنتم مسؤولون عن أنفسكم. وإن عليكم أن تسيروا وفق ما أنزل الله دون أن تأبهوا بضلال الضالين وجحود الجاحدين.
على أن الآية في حدّ ذاتها جملة مستقلة تامة المدى أيضا. وقد اعتبرها المؤولون والمفسرون كذلك وأداروا الكلام في صددها على هذا الاعتبار.
ولقد أورد المفسرون (١) روايات عديدة عن بعض أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتابعيهم في مدى هذه الآية يستفاد منها أن هناك من اعتبرها خطابا لجميع المسلمين بالنسبة لأهل الكتاب أو لأهل كلّ ملّة ضالّة. فما داموا مؤمنين مهتدين بهدى الله ورسوله فلا يضرهم ضلال غيرهم من أهل الملل الأخرى. وأن هناك من اعتبرها خطابا لجميع المسلمين بالنسبة إلى بعضهم بشرط أن يبذل المهتدون بهدى الله ورسوله منهم جهودهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح وتقويم ما يكون في جماعات من المسلمين أو أفرادهم من فساد وبغي وانحراف عن ذلك الهدى. فإن عجزوا فعليهم أنفسهم فلا يضرّهم ذلك الفساد والانحراف ما داموا مهتدين.
__________________
(١) الطبري أكثرهم استيعابا لها. انظر أيضا البغوي وابن كثير والخازن والطبرسي.