الذين اتبعوه رأفة ورحمة حتى إنهم فرضوا على أنفسهم ابتداعا شيئا لم يفرضه الله عليهم وهو الرهبانية والاعتزال للعبادة والتبتل والتعفف عن النساء ابتغاء رضوان الله تعالى وتزيدا في عبادته. ولكنهم لم يستمروا على رعايتها حق الرعاية. فمنهم من آمن وأخلص فآتاه الله أجره. وكثير منهم فسق عن أمر الله وانحرف عن جادة الحق أيضا.
وينطوي في البيان التعقيبي الذي استهدفته الآيات ـ كما تبادر لنا ـ تقرير واقع الأمر عند نزول الآيتين بالنسبة لأهل الكتاب وبخاصة النصارى منهم كما هو ظاهر.
ولقد أورد الطبري في سياق هذه الآيات حديثا أخرجه بطرقه عن ابن مسعود عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «اختلف من كان قبلنا على إحدى وسبعين فرقة نجا منهم ثلاث وهلك سائرهم. وقد وازت فرقة من الثلاث الملوك وقاتلتهم على دين الله ودين عيسى فقتلهم الملوك. وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك فأقاموا بين ظهراني قومهم يدعونهم إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم صلوات الله عليه فقتلتهم الملوك ونشرتهم بالمناشير. وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا بالمقام بين ظهراني قومهم فترهبوا فيها فهو قول الله عزوجل (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) قال : ما فعلوها (إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) وهم الذين آمنوا بي وصدقوني. قال : (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) قال : فهم الذين جحدوني وكذبوني».
والحديث ليس من الصحاح. فإن صحّ جاء توضيحا للمقصود من الجملة الأخيرة في الآية الثانية وهم الذين آمنوا به وكفروا به فالأولون لهم أجرهم والآخرون فاسقون وهم الأكثر. وهذا كذلك متبادر من العبارة ولو لم يصح الحديث أيضا لأنها تقرر واقع النصارى عند نزول القرآن. ولا يمكن أن تنصرف عبارة (الَّذِينَ آمَنُوا) إلّا إلى الذين آمنوا بالنبي صلىاللهعليهوسلم. وإيمان فريق من النصارى بالنبي صلىاللهعليهوسلم وما أنزل عليه حقيقة يقينية مؤيدة بنصوص قرآنية عديدة جاءت في سور