في القرن الخامس ثم في القرنين السادس والسابع الهجريين. فلعلّ ذلك مما أثار حنق المسلمين عليهم وجعلهم يلزمونهم بما جاء في الكتاب. ومن الحق أن ننبه على أن في كتاب الخراج لأبي يوسف (١) أقوالا فيها تساوق مع بعض ما جاء في الكتاب من إلزام للذميين بزي خاص وهيئة خاصة عزوا إلى عمر بن الخطاب. غير أن هذا لا يجعلنا نغير موقفنا وتوقفنا بناء على ما شرحناه من دلائل قوية. وكل ما في الأمر هو أن تكون مواقف بعض الذميين التي أثارت المسلمين كانت مبكرة فكان ذلك مؤديا إلى ردّ فعل مبكر والله تعالى أعلم.
ولقد روى الطبري وغيره (٢) أقوالا عديدة عن أهل التأويل كذلك في صدد الذين تقبل منهم الجزية ، حيث اعتبر بعضهم على ما يستفاد منها أن النص القرآني قاصر على أخذها من الكتابيين ومنع أخذها من غيرهم وقتاله إلى أن يتوب ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة. ولم يجز بعضهم أخذها من الكتابي العربي وجعله في زمرة الغير الذي لا يقبل منه إلا الإسلام وقصر أخذها على الكتابي الأعجمي. ومنهم من أجاز أخذها من المشركين والوثنيين الأعاجم دون العرب بالإضافة إلى جواز أخذها من الكتابيين العرب والعجم. ومنهم من أجاز أخذها من جميع الكفار سواء أكانوا كتابيين أم مشركين أو وثنيين وعربا أم عجما. والذين قصروا إباحة أخذها على الكتابيين أجازوها من المجوس لورود آثار نبوية في ذلك حيث روي أن عمر بن الخطاب قال كيف نصنع بالمجوس فقال عبد الرحمن بن عوف أشهد أني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب وأشهد أنه أخذها من مجوس هجر وشهد آخرون أنه أخذها من مجوس البحرين أيضا (٣). وقد رووا رواية عن علي بن أبي طالب فيها تعليل للحديث النبوي ومفادها أنهم كانوا أهل
__________________
(١) كتاب الخراج ص ٧٢.
(٢) انظر أيضا البغوي وابن كثير والخازن والطبرسي.
(٣) روى هذا الإمام أبو يوسف في كتاب الخراج ص ٧٣ ـ ٧٥ ورواه الإمام أبو عبيد في كتاب الأموال ص ٣١ ، ٣٢. وانظر التاج ج ٤ ص ٣٤٧ أيضا فإن فيه حديثا رواه البخاري عن عبد الرحمن بن عوف أن النبي أخذ الجزية من مجوس هجر وحديثا رواه الترمذي أنه أخذها من مجوس البحرين وأن عمر أخذها من بني فارس وأن عثمان أخذها من الفرس أو البربر.