حين أن الزكاة لا يجوز أن يكون فيها ذلك على ما شرحه الطبري في صدد تصويبه لهذا القول. على أن هناك من قال إن الكلمة تعني فكّ رقبة المملوك إطلاقا. وقد روي عن ابن عباس جواز عتق الرقاب من زكاة المال والإطلاق أوجه على ما يلهمه الإطلاق في الآية حيث يتناول المكاتب وغير المكاتب. فالله سبحانه حثّ على فكّ الرقاب إطلاقا وشرع بعض التشريعات بسبيل ذلك مما مرّ منه أمثلة. ففي هذا توجيه عام إلى ذلك العمل الإنساني الكبير.
٥ ـ وهناك من قال إن (وَالْغارِمِينَ) هم المدينون العاجزون عن الأداء الذين استدانوا لغير معصية وسرف وتبذير. وهناك من قال إنهم الذين حملوا حمالة (١) أو ضمنوا دينا وعجزوا عن تحمل ذلك من أموالهم أو أجحف أو يجحف أداء ذلك بهم. ويتبادر لنا أن النوع الثاني متفرع أو صورة ما من النوع الأول. ولقد رويت أحاديث نبوية تفيد أن التعبير يشمل النوعين حيث أبيح فيها إعطاؤهما من الصدقة. منها حديث رواه الترمذي عن أبي سعيد قال : «أصيب رجل في عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم تصدقوا عليه فتصدق عليه الناس فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لغرمائه خذوا ما وجدتم وليس لكم إلّا ذلك» (٢) ومنها الذي روي عن قبيصة بن مخارق وأوردناه في الفقرة الأولى حيث وعد رسول الله فيه إعطاء الرجل الذي حمل حمّالة.
وقد أجاز بعض التابعين في احتساب الدائن دينا له على مدين معسر من الزكاة (٣). وفي هذا وجاهة ظاهرة فيما نرى. وفي آية سورة البقرة هذه (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) دعم لذلك.
٦ ـ وأكثر الأقوال على أن (سَبِيلِ اللهِ) في الآية تعني الجهاد الحربي وأسبابه. وهناك من قال إن كل ما فيه برّ عام وتقوية للإسلام يدخل في هذا
__________________
(١) الحمّالة هي ما تحمّله الإنسان من دية قتيل أو غرامة ليصلح بين متخاصمين.
(٢) التاج ج ٢ ص ٢٧ ، ٢٨.
(٣) كتاب الأموال ص ٤٣٦.