واليسار منهم إلى الالتماس من النبي بأن يدعهم يبقون مع القاعدين عن الحرب. راضين بذلك مهانة البقاء مع الخوالف العجزة فكان ذلك مظهرا من مظاهر انغلاق قلوبهم وأفهامهم عن إدراك مغبة موقفهم ومهانته.
(لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٨٩)) [٨٨ ـ ٨٩].
وعبارة الآيتين كذلك واضحة. وصلتهما بالسياق قائمة من حيث ورودهما على سبيل التنويه والإشادة بموقف المخلصين الذين كانوا يلبّون دعوة النبي صلىاللهعليهوسلم وتنفيذ أمر الله فيسارعون معه إلى الجهاد بأموالهم وأنفسهم. والبشرى لهم. وتقرير فلاحهم وسعادتهم ورضاء الله عنهم والمقابلة لما ذكر من مواقف المنافقين وأخلاقهم ، والتنديد بهم وإنذارهم في الآيات السابقة مما جرى عليه النظم القرآني في المناسبات المماثلة التي مرّت أمثلة عديدة منها.
(وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٠)) [٩٠].
١ ـ المعذّرون : قيل إنها بمعنى (المعتذرون) أي الذين اعتذروا عن الاشتراك في غزوة تبوك. وقيل إن المعذّر هو الذي يتوسل بعذر غير قوي وغير وجيه وغير معقول. أو المقصّر في الأمر المتواني فيه.
تعليق على الآية (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ ..)
وما روي في صددها من روايات وما انطوى فيها من صور
يستفاد مما أورده المفسرون (١) في تأويل هذه الآية أنها تحتمل أن تكون
__________________
(١) انظر تفسيرها في الطبري والبغوي والزمخشري وابن كثير والخازن والطبرسي.