تعليق على الآية
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩))
وما فيها من تلقين
عبارة الآية واضحة. ولم نطلع على رواية خاصة في سبب نزولها. وقد روى المفسرون عن أهل التأويل مثل نافع والضحاك وسعيد بن جبير أن المقصود بالصادقين في الآية هم الذين صدقوا في الاعتراف بذنبهم ولم يعتذروا بأعذار كاذبة ممن تخلفوا عن غزوة تبوك. كما رووا أنهم محمد وأصحابه الخلّص أو أبو بكر وعمر وأمثالهما. ونرى القول الثاني هو الأوجه وهو مستلهم من فحوى الآية. فالخطاب فيها موجّه للمؤمنين على سبيل حثّهم على مراقبة الله وتقواه وعلى أن يكونوا مع السابقين الأولين من أصحاب رسول الله الذين كانوا صادقين في القول والعمل والجهاد والطاعة لله ورسوله. وهذا يسوغ القول إن الآية جاءت معقبة على الآيتين السابقتين اللتين أشير فيهما إلى ما كان من تخلّف بعض المخلصين وإلى ما كاد أن يقع فيه بعض الأنصار والمهاجرين من زيغان القلب بسبب عسرة ظروف غزوة تبوك لتهيب في هذه المناسبة بجمهور المؤمنين بتقوى الله والاقتداء بأصحاب رسول الله السابقين الصادقين ويسلكوا مسلكهم. وتسوغ القول أيضا بأن هذه الطبقة من أصحاب رسول الله لم يكونوا من المعنيين بجملة (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) في الآية [١١٧].
وإطلاق الخطاب في الآية يجعلها مستمرة التلقين بوجوب اتخاذ المخلصين في الإيمان والجهاد والإقدام والتضحية والصدق في القول والعمل قدوة وأسوة وإماما في كل ظرف ومكان.
ولقد روى الطبري والبغوي أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقرأها (كونوا من الصّادقين) ويقول : «إن الكذب لا يصلح في جدّ ولا هزل ولا أن يعد أحدكم صبيه شيئا ثم لا ينجزه له ، اقرأوا ، إن شئتم (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا