أخرى لم تصل إلينا على ما ذكرناه وسميناه في تعليقنا على كلمة التوراة في سياق الآية [١٥٧] من سورة الأعراف. فيكون في ذلك دلالة من كتبهم التي يتداولونها ويقدسونها على ما قلناه.
وإذا كان كثيرا مما تقدم نتيجة إلى اليهود فإنه وبخاصة الآيات التي نحن في صددها ثم آيات القصص والأعراف يصدق على النصارى أيضا. وآيات سورة المائدة [٨٢ و ٨٣] التي أوردناها تنطوي بخاصة على موقف فريق من النصارى بصراحة. ومع ذلك ففي تعليقنا على كلمة الإنجيل في سياق آية الأعراف [١٥٧] أوردنا كثيرا من الشواهد التي نحن في صددها على كون النصارى أيضا كانوا يخفون ويبعدون ويحرفون كثيرا من أسفار وقراطيس نتيجة لما كان بينهم من خلاف وشقاق ونزاع. وكان كل فريق منهم يتهم الفريق الآخر بتحريف ما في يده من كتب وقراطيس (١) وكان عدد الأناجيل كبيرا جدا حتى ليصل في بعض الروايات إلى عشرين وبعضها إلى أكثر فاختفى معظمها أو باد أو أبيد. وكان ذلك قبل بعثة النبي صلىاللهعليهوسلم. والنص القرآني صريح بأن ذلك كان قد امتد إلى زمن النبي صلىاللهعليهوسلم. وإذ أن طوائف كثيرة لم تؤمن بالنبي وظلّت على خلاف وشقاق فيما بينهم أيضا بعده فيكون ذلك قد امتد إلى ما بعد النبي صلىاللهعليهوسلم أيضا.
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧)) [١٧]
__________________
(١) انظر كتاب دليل الحيارى للإمام ابن قيم الجوزية والجزء الثالث من تاريخ سورية للدبس وكتابنا القرآن والمبشّرون. وقد عقد رشيد رضا في تفسيره في سياق هذه الآية فصلا طويلا على تاريخ الأناجيل وما طرأ عليها من تحريفات. وفعل مثل ذلك في سياق تفسير الآيات المماثلة في هذه السورة وفي سورة البقرة وآل عمران والنساء فليرجع إليها من أراد التوسع والاطلاع أيضا.