ثم سألهم الحجاج عن أرباعه. فإذا أول ربع خاتمة سورة الأنعام. والربع الثانى الكهف (وَلْيَتَلَطَّفْ) (الآية : ١٩) والربع الثالث خاتمة «الزّمر» ، والربع الرابع ما بقى من القرآن.
كانت هذه نظرة الحجاج مع القراء والحفاظ ، وكانت تجزئته للقرآن بوفق عدد حروفه ، ولقد رأيناه كيف جزّأه نصفين ، ثم أسباعا ، ثم أثلاثا ، ثم أرباعا.
وما نظن الحجاج كان يستملى فى هذه التجزئة إلا عن تفكير فى التيسير ، فجعله نصفين على القارئ المجد ، ثم أثلاثا على اللاحق ، ثم أرباعا على من يتلو اللاحق ، ثم أسباعا على من يريد أن يتمه فى أسبوع ، وكانت ذلك هى النهاية التى أحبها الحجّاج للمسلمين ، وكأنه لم يحب لهم أن يتجاوزوها ، لذلك لم يمض مع القراء والحفاظ يسألهم عما بعدها ، ونحن نعلم أن الحجاج كان يقرأ القرآن كله فى كل ليلة (١).
وحين نظر الحجاج فى القرآن يجزئه هذه التجزئة التى تحدها الحروف ، بدأ غيره من بعده ينظرون فى تجزئة القرآن تجزئة تمليها الآيات ، فقسموه أنصافا ، وأثلاثا ، وأرباعا ، وأخماسا ، وأسداسا ، وأسباعا وأثمانا ، وأتساعا ، وأعشارا.
وما نظن هؤلاء الذين جاءوا فى إثر الحجاج بهذه التجزئة التى تخالف تجزئة الحجاج كانوا يستملون إلا عن مثل ما استملى الحجاج عنه ، وهو التيسير ، ثم الإرخاء فى هذا التيسير ، ثم تخصيص كل يوم بنصيب لا يزيد ولا ينقص ، وكان أقصى ما أرادوه لكل مسلم أن يتم قراءة القرآن فى أيام لا تعدو العشرة.
ولقد مر بك قبل ، عند الكلام على عد آيات القرآن ، ما كان من خلاف يسير علمت سببه ، ولكن هذا الخلاف اليسير فى عد الآيات جر إلى خلاف يسير فى هذه التجزئة.
ولقد كانت فكرة الحجاج ، وفكرة من جاء بعد الحجاج ، فى تجزئة القرآن هى التيسير على التّالى ، ولكن الحجاج كان متشدّدا ، متشددا على نفسه أولا ، كما رأيت ، فلم يجاوز فى تيسيره إلى غير سبعة أيام ، ولكن من جاءوا بعد الحجّاج لم يكونوا على تشدّد الحجاج فأرخوا شيئا فى التيسير وزادوا الأيام إلى عشرة.
وما وقف التيسير عند هذا الحد الذى انتهى إليه الذين جاءوا فى إثر الحجاج ، بل نرى الميسّرين أرخوا للقارئين إلى أن يلغوا بهم الثلاثين ، فإذا القرآن مجزّا إلى ثلاثين جزءا.
__________________
(١) المصاحف (ص ١١٩ ـ ١٢٠).