ذكر بالمدينة ، ولم يكن حى من العرب أعلم بأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حين ذكر وقبل أن يذكر ، من هذا الحى من الأوس والخزرج ، وذلك لما كانوا يسمعون من أحبار اليهود ، وكانوا لهم حلفاء ومعهم فى بلادهم.
* * *
٢٩ ـ ما لقى الرسول من قومه
ثم إن قريشا اشتد أمرهم ، للشقاء الذى أصابهم فى عداوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ومن أسلم معه منهم ، فأغروا برسول الله صلىاللهعليهوسلم سفهاءهم ، فكذبوه وآذوه ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم مظهر لأمر الله لا يستخفى به مباد لهم بما يكرهون من عيب دينهم ، واعتزال أوثانهم ، وفراقه إياهم على كفرهم.
واجتمع أشرافهم يوما فى الحجر فذكروا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط ، سفه أحلامنا ، وشتم آباءنا ، وعاب ديننا ، وفرق جماعتنا ، وسب آلهتنا ، لقد صبرنا منه على أمر عظيم.
فبينما هم فى ذلك ، إذ طلع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأقبل يمشى حتى استلم الركن ، ثم مر بهم طائفا بالبيت ، فلما مر بهم غمزوه ببعض القول ، فعرف ذلك فى وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم مضى ، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها ، فعرف ذلك فى وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ، فوقف ثم قال : «أتسمعون يا معشر قريش. أما والذى نفسى بيده ، لقد جئتكم بالذبح (١)». فأخذت القوم كلمته ، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع ، حتى إن أشدهم فيه
__________________
(١) بالذبح ، يعنى : بالهلاك.