ما هو بشاعر! وقلتم : مجنون! لا والله ما هو بمجنون! يا معشر قريش ، فانظروا فى شأنكم ، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم.
* * *
وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش ، وممن كان يؤذى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وبنصب له العداوة ، وكان قد قدم الحيرة وتعلم بها ، فكان إذا جلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم مجلسا فذكر فيه بالله ، خلفه فى مجلسه إذا قام ، ثم قال : أنا والله يا معشر قريش ، أحسن حديثا منه ، فهلم إلىّ ، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ، ثم يقول : بما ذا محمد أحسن حديثا منى؟
* * *
٣٣ ـ أول جهر بالقرآن
واجتمع يوما أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهره لها به قط ، فمن رجل يسمعهموه؟ فقال عبد الله ابن مسعود ، أنا. قالوا : إنا نخشاهم عليك ، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه. قال : دعونى فإن الله سيمنعنى.
فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام فى الضحى ، وقريش فى أنديتها ، حتى قام عند المقام ثم قرأ : (بسم الله الرّحمن الرّحيم) رافعا بها صوته (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ) ثم استقبلها يقرؤها. فتأملوه فجعلوا يقولون : ما ذا قال ابن مسعود؟ ثم قالوا : إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد. فقاموا إليه فجعلوا يضربون فى وجهه ، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ ، ثم انصرف إلى أصحابه ، وقد أثروا فى وجهه ، فقالوا له : هذا الذى خشينا عليك. فقال : ما كان أعداء الله أهون علىّ منهم الآن ، وأ إن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا؟ قالوا : لا ، حسبك ، قد أسمعتهم ما يكرهون.
* * *