(فَتَلَقَّى آدَمُ) ، (١) بعد قوله : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها) (٢) في هذه السورة ، لا يساعد عليه.
وأنت إذا تدبّرت الآيات في هذه القصّة ـ وخاصّة ما في سورة طه ـ وجدت أنّ المستفاد منها : أنّ الأكل من الشجرة أوجب القضاء منه سبحانه بالهبوط والاستقرار في الأرض والحياة فيها ، تلك الحياة الشقيّة التي حذّرهما الله ـ سبحانه ـ إيّاها حين نهاهما أن يقربا الشجرة هذا.
وأنّ الاجتباء والتوبة ثانيا ، تعقّب قضاء ثانيا بإكرامه عليهالسلام بالهداية إلى العبوديّة ، فالمقضيّ أوّلا كان نفس الحياة الأرضيّة ، ثمّ بالتوبة طيّب الله تلك الحياة ؛ بأن ركّب عليها الهداية إليه تعالى ، فتألّفت الحياة من حياة أرضيّة وحياة سماويّة.
وهذا هو المستفاد من تكرار الأمر بالهبوط في هذه السورة ؛ حيث يقول سبحانه : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) (٣) إلى أن قال : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً)، وتوسيط التوبة بين الأمرين بالهبوط يشعر بأنّ التوبة وقعت ولمّا ينفصلا من الجنّة ، وإن لم يكونا فيها كاستقرارهما قبل.
ويشعر بذلك أيضا قوله سبحانه : (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) (٤) بعد ما قال لهما : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) ، (٥) فأتى بلفظة «تلكما» بعد ما أتى بلفظة «هذه» ، أي بالإشارة إلى البعيد بعد الإشارة إلى القريب.
__________________
(١). البقرة (٢) : ٣٧.
(٢). البقرة (٢) : ٣٦.
(٣). البقرة (٢) : ٣٦.
(٤). الأعراف (٧) : ٢٢.
(٥). البقرة (٢) : ٣٥.