ومثل الآية السابقة قوله : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١) وقوله سبحانه : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ* وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) (٢) والآية كما ترى تجعل النبيّ وبعثته من كلمات الله ، وهو كذلك ؛ فإنّ القرآن ينصّ على كون وجود النبيّ طاهرا مطهّرا ، كما مرّ وسيجيء ، وقد عرفت أنّ الوجود ـ الذي هو كذلك ـ كلمة من كلمات الله تعالى.
ومن جميع ما مرّ بان : أنّ الأنسب رجوع الضمير في (فَأَتَمَّهُنَ) إليه سبحانه ، ولو رجع إلى إبراهيم ـ عليهالسلام ـ فبعناية لا تنافي ما ذكرنا.
وبالجملة : فهذه الكلمات التي ابتلي بها إبراهيم ـ عليهالسلام ـ امور وجوديّة مربوطة به ـ عليهالسلام ـ هو صاحبها ، وهي وجودات طاهرة مطهّرة من أمر الله سبحانه من الملكوت ، كما يشير إليه قوله : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ* فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) (٣) فإبراهيم كان صاحبا لامور ملكوتيّة ، إذ المقام لبيان جمعه مقدّمات الإمامة ، هذا.
وقوله سبحانه : (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً)
لو كانت حقيقة الإمامة هي مجرّد بيان معارف المبدأ والمعاد ومسائل الحلال والحرام ، وبيان ما يضرّ الناس وما ينفعهم في الدنيا والآخرة ، كان كلّ رسول إماما ، وقد قال سبحانه : (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) (٤) وقال : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ
__________________
(١). هود (١١) : ١١٩.
(٢). الأنعام (٦) : ١١٤ ـ ١١٥.
(٣). يس (٣٦) : ٨٢ ـ ٨٣.
(٤). النور (٢٤) : ٥٤.