السعادة وسبيل الشقاوة ، وقال تعالى أيضا : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) (١) : وسيجيء تفسيره بالإمام الحقّ ، دون كتاب الأعمال ، فالإمام هو الذي يسوق الناس إلى الله تعالى في ظاهر هذه الدنيا وباطنها ويوم تبلى السرائر.
والآية تفيد ـ مع ذلك ـ أنّ الإمام الحقّ لا يخلو عنه عصر من الأعصار وزمان من الأزمنة ، حيث عبّر «باناس» وأضاف الإمام إليهم ، هذا.
ثمّ إنّ هذا المعنى ـ على عظمته وشرافته لا يقوم إلّا بمن كان سعيد الذات بنفسه إذ الذي ربّما تلبّس ذاته بالظلم والشقاء ، فإنّما سعادته بهداية من غيره ، وقد قال سبحانه : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) (٢) والآية تقابل بين الهادي إلى الحقّ وغير المهتدي إلّا بغيره ، فالهادي إلى الحقّ يجب أن يكون مهتديا بذاته ، والمهتدي بغيره لا يكون هاديا إلى الحقّ البتّة ، فافهم.
ومن هنا يتّضح أنّ المراد بالظالمين في قوله : (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) مطلق من صدر عنه ظلم ما ـ من شرك أو معصية ـ وإن كان في برهة من عمره ثمّ تاب وصلح.
وقد سئل بعض أساتيذنا ـ رضي الله عنه ـ عن تقريب دلالة الآية على عصمة الإمام ، فقال : إنّ الناس ـ بحسب القسمة العقليّة ـ أربعة أقسام : من كان ظالما في جميع عمره ، ومن ليس بظالم في جميع عمره ، ومن هو ظالم في أوّل عمره دون آخره ، وبالعكس ؛ وإبراهيم ـ عليهالسلام ـ أجلّ شأنا من أن يسأل الإمامة لمن كان من ذريّته من القسم الأوّل أو الثالث ، فبقي قسمان ، وقد نفى الله سبحانه
__________________
(١). الإسراء (١٧) : ٧١.
(٢). يونس (١٠) : ٣٥.