لأنفسهم ولقوى أنفسهم ولما يتعلّق بأنفسهم ، فملكهم لأنفسهم ولقواها ومتعلّقاتها إنّما هو بتمليكه إيّاهم لما ملكه بالذات ، فهو الحائل بينهم وبين أنفسهم وقواها ومتعلّقاتها ، فهو القريب منهم على الإطلاق من غير بعد أصلا ، كما قال : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) (١) وقال تعالى : (أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) (٢) وقال تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ). (٣)
وهو تمليك في ملك ليس على نحو النقل والانتقال ، كما يملّك أحدنا صاحبه بالبيع ، فينزع الملك عن نفسه ويقلّده صاحبه على ما قالته اليهود : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) (٤) وكما قاله جمع من هذه الامّة ، فسمّاهم النبيّ مجوس هذه الامّة ، فيما رواه الفريقان عنه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : «القدريّة مجوس هذه الأمّة». (٥)
فسلطانه تعالى واقع غير منقطع عن كلّ صغير وكبير ممّا بأيدي عباده ، وحينئذ فليس يستقبلهم شيء من أنفسهم أو ما يتعلّق بأنفسهم ممّا يريدونه إلّا بإذنه وإيتائه وإعطائه ، فما يملّكه ويأذن فيه من ذلك يقع ، وما لا يعطيه لا يقع وإن بذل في سبيله وطريق نيله كلّ جهد وعناية ، قال سبحانه : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (٦) وقد قال تعالى : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما
__________________
(١). الواقعة (٥٦) : ٨٥.
(٢). الأنفال (٨) : ٢٤.
(٣). ق (٥٠) : ١٦.
(٤). المائدة (٥) : ٦٤.
(٥). جامع الأخبار : ١٦١ ؛ سنن أبي داود ٢ : ٤١٠ ، الحديث : ٤٦٩١ ؛ عوالي اللآلي ١ : ١٦٦ ؛ السنن الكبرى ١٠ : ٢٠٣ ؛ كنز العمّال ١ : ١١٩ ، الحديث : ٥٦٦.
(٦). فاطر (٣٥) : ١٥.