الصحّة فيسأل الدواء ، وإن كان بلسان قوله أو فعله يسأل خلافه وتركه.
فللانسان مثلا في ذاته نظام يسير به في صراط وجوده ، وله من حيث علمه نظام آخر ، ونظام الوجود لا يقع فيه خطأ ولا في سيره خبط ، فالواقع لا يتغيّر عمّا هو عليه ، وأمّا نظام العلم فيكثر فيه الخطأ والسهو ، فربّما سأل الإنسان عن ربّه شيئا بحسب علمه ، وهو بهذا السؤال بعينه يسأل شيئا آخر أو خلافه.
فعلى هذا ينبغي أن يقرّر معنى هذه الأحاديث ، وهو اللائح من قول أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ في الوصيّة : «فلا يقنّطنّك إبطاء الإجابة ؛ فإنّ العطيّة على قدر النيّة» وقد عرفت أنّ من الإجابة ما يلزمها عدم الإجابة في مورد آخر ، وبالعكس.
وقريب من هذا الباب ما رواه في أمالي الطوسي عن عليّ ـ عليهالسلام ـ أنّه سمع رجلا يقول : اللهمّ إنّي أعوذ بك من الفتنة ، قال ـ عليهالسلام ـ : «أراك تتعوّذ من مالك وولدك ، يقول الله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) (١) ولكن قل : اللهمّ إنّي أعوذ بك من مضلّات الفتن». (٢)
أقول : وهذا باب آخر قريب المأخذ ممّا مرّ آنفا ، ونظائره كثيرة في الروايات ، وفيها : «أنّ الحقّ في معنى كلّ لفظ ما ورد منه في كلامه تعالى» ويشبه هذا الباب ما ورد في الروايات من معنى الجزء والكثير والأمان وأمثال ذلك».
وفي هذا المعنى ما في عدّة الداعي عن الصادق ـ عليهالسلام ـ : «إنّ الله لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه». (٣)
__________________
(١). الأنفال (٨) : ٢٨.
(٢). الأمالي للطوسي : ٥٨ ، الحديث : ١٢٠١.
(٣). عدّة الداعي : ١٣٨.