ربّه في الرخاء إذا دعاه في الشدّة كان معنى عمله أنّه يذعن به تعالى على تقدير ، وهو ربّ على كلّ تقدير ، فلم يعرفه ، فلم يدعه.
وقد ورد هذا المعنى بلسان آخر :
ففي المكارم عن الصادق ـ عليهالسلام ـ قال : «من تقدّم في الدعاء استجيب له إذا نزل به البلاء ، وقيل : صوت معروف ، ولم يحجب عن السماء ، ومن لم يتقدّم في الدعاء لم يستجب له إذا نزل به البلاء ، وقالت الملائكة : إنّ ذا الصوت لا نعرفه ...» (١) الحديث.
وقوله ـ عليهالسلام ـ : «فقد جرى القلم بما هو كائن ...» إلى آخره ، يشير إلى أنّ الأسباب الظاهريّة العاديّة في الوجود فإنّما سببيّتها مقصورة على حدّ قدّره الله تعالى ، وحدّه فيها في الواقع ، لا على ما يتراءى من سببيّتها وعملها ، فإذا الواجب على العبد أن يتوجّه في حوائجه إلى جناب العزّة ، ولا يقرع باب الأسباب وإن أبى الله أن يجري الامور إلّا بأسبابها.
وهذه دعوة إلى عدم الاعتماد على الأسباب إلّا بالله المفيض لها سببيّتها ، وليست دعوة إلى إلغاء الأسباب والطلب من غير سبب ، فهو طمع فيما لا مطمع فيه البتّة ، وعلى هذا النحو ينبغي أن يقرّر معنى ما مرّ من الأحاديث القدسيّة من نحو قوله سبحانه : «وعزّتي وجلالي لأقطعنّ أمل كلّ آمل أمل غيري بالإياس» فليس بإلغاء للسببيّة في الأسباب ، ولا بردع عن استعمالها ، فافهم.
وهاهنا سرّ آخر : وهو أنّ من استند في سير حياته إلى أمر ، وعوّل عليه كلّ التعويل ، كان عنده عطبه ، كذوي الفنون إذا استمهر أحدهم في أمر خطير كان فيه خطره.
__________________
(١). مكارم الأخلاق : ٢٧١.