شَيْءٍ قَدْراً) (١) أي حدّا محدودا وقدرا مخصوصا بحسب ما يشاكل خلقته وشأنه ، فلا ينبغي لزاعم أن يزعم أنّه سبحانه يريد ما يريده من كلّ شيء على وتيرة واحدة ، ثمّ يقدّر أنّ الخلقة صادفت غايتها في بعض وتخلّفت عنها في آخر.
وبالجملة ، فالعبادة غاية الإيجاد ، وهي ثابتة في كلّ موجود لا تتخلّف.
ولا يذهب عليك أنّ هذا ليس من الجبر الباطل في شيء ، فمثل الخلق بالنسبة إلى ربّهم كمثل العبد يملكه المولى من ملك نفسه وما يتّجر به ويتصرّف من نقل ومبادلة وأكل وشرب وسكنى ، وهو وما يملكه لمولاه ، وللمولى في ملكه حكم ، وللعبد فيما ملكه بتمليك المولى حكم ، ففرق بين أن نبطل بملك المولى ملك العبد ، وهو مثل الجبر ، أو بملك العبد ملك المولى ، وهو مثل التفويض ، وبين أن نثبت للمولى ملكه وللعبد ملكه بتمليك المولى ، وهو الحقّ.
وبالجملة ، فهو سبحانه معبود مطلقا ، وقد قال : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) ، (٢) وقال تعالى : (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) ، (٣) إلى غير ذلك من الآيات ، فأثبت أنّ الكلّ سائرون إليه سبحانه وأنّ للجميع طريقا.
ثمّ فرّق سبحانه بين السبل والطرق فقال : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) ، (٤) فهناك صراط مستقيم وغيره ، وقال سبحانه : (فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي) ، (٥) وقال : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ
__________________
(١). الطلاق (٦٥) : ٣.
(٢). الانشقاق (٨٤) : ٦.
(٣). المائدة (٥) : ١٨.
(٤). يس (٣٦) : ٦٠ و ٦١.
(٥). البقرة (٢) : ١٨٦.