فوصفهم بالثبات التامّ قولا وفعلا وظاهرا وباطنا على العبوديّة ، فلا يشذّ منهم شاذّ من هذه الجهة ، ومع ذلك جعلهم في تبعهم وصفّ بعد صفّهم لمكان «مع» ولمكان قوله : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) ، (١) وكما يشعر به قوله في محلّ آخر : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) ، (٢) وهذا هو الإلحاق في الآخرة لمكان قوله : (عِنْدَ رَبِّهِمْ) (٣) و (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) ، (٤) فهؤلاء وهم أصحاب الصراط المستقيم أعلى قدرا وأقرب منزلة من هؤلاء المؤمنين الذين أخلصوا قلوبهم وأعمالهم من الظلم والشرك ، (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) ، (٥) وإذا تدبّرت قوله سبحانه : (فَلا وَرَبِّكَ) ، (٦) وتعريفه أصحاب الصراط المستقيم بقوله : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) أيقنت أنّ هناك نحوا آخر من الشرك لم يخلص عنه المؤمنون الخالصون وشأنهم هذا الشأن ، وإنّما يختصّ به أصحاب الصراط المستقيم ، فتدبّر.
وبالجملة ، فمآل قوله : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، إلى التوحيد علما وعملا.
وأمّا (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) فالصراط هو الواضح من الطريق ، من سرطت سرطا إذا بلعت بلعا ، كأنّه يبلع السالكين فيه فلا يدعهم ولا يدفعهم عن بطنه ،
__________________
(١). النساء (٤) : ٦٩.
(٢). الحديد (٥٧) : ١٩.
(٣). الحديد (٥٧) : ١٩.
(٤). الحديد (٥٧) : ١٩.
(٥). المجادلة (٥٨) : ١١.
(٦). النساء (٤) : ٦٥.