ف (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) هو الطريق الواضح المؤدّي إلى المطلوب ألبتّة.
وأمّا كونه أقرب الطرق لكون الخطّ المستقيم أقصر الخطوط الموصلة بين نقطتين فكلام شعريّ في هذا المقام وإن كان برهانيّا أو متلقّى بالقبول في مقام آخر.
نعم ، بيّن سبحانه كون صراطه المستقيم أقرب الطرق إليه ببيان آخر سبقت الإشارة إليه.
واعلم أنّه سبحانه على أنّه نصب في كلامه لنفسه صراطا وسبيلا وكرّر ذكر صراط الله وسبيل الله ، لم يعدّ لنفسه أزيد من صراط واحد مستقيم ، وعدّ لنفسه سبلا كثيرة ، فقال تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) ، (١) ولم ينسب الصراط المستقيم إلى غيره من خلقه غير ما في هذه الآية (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، ونسب السبيل إلى غيره ، فقال عزّ من قائل : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ) ، (٢) وقال تعالى : (سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ) ، (٣) وقال تعالى : (سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ). (٤)
ويعلم من ذلك أنّ السبيل غير الصراط المستقيم ، وأنّه يختلف باختلاف أصناف المتعبّدين ، دون الصراط المستقيم كما يشير إليه قوله سبحانه : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، (٥) فجعل اتّباع رضوانه
__________________
(١). العنكبوت (٢٩) : ٦٩.
(٢). يوسف (١٢) : ١٠٨.
(٣). لقمان (٣١) : ١٥.
(٤). النساء (٤) : ١١٥.
(٥). المائدة (٥) : ١٥ و ١٦.