مقدّمة للهداية إلى سبل السلام ، ثمّ أضاف إليه الإخراج من الظلمات إلى النور وجعل المجموع كالمقدّمة للهداية إلى صراط مستقيم ، والتنكير فيه للتفخيم ، وقال أيضا : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) ، (١) فمن الشرك وهو ضلال ما يوجد في المؤمنين ، ولهم سبيل إلى ربّهم ، فقد يجتمع الضلال مع سبيلهم ، لكنّه لا يجتمع مع الصراط المستقيم. فظهر أنّ مثل الصراط المستقيم بالنسبة إلى السبيل مثل الروح بالنسبة إلى البدن ، فكما أنّ للبدن أطوارا في مدّة حياته هو عند كلّ طور غيره عند طور آخر ، كالصبا والطفوليّة والرهوق والشباب والكهولة والشيب والهرم ، لكنّ الروح هي الروح ، والبدن يمكن أن يطرأ عليه طورا تنافي ما تحبّه وتقتضيه الروح إذا خلّيت ونفسها ، بخلاف الروح (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) ، (٢) والبدن مع ذلك هو الروح ، أعني الإنسان ، فكذلك السبيل إلى الله سبحانه هو الصراط المستقيم ، غير أنّ السبيل كسبيل المؤمنين وسبيل المتّقين أو غير ذلك من سبل الله سبحانه ربما وصل إليه آفة من خارج أو نقص ولن تصل إلى الصراط المستقيم.
كما عرفت أنّ الإيمان ربما يجتمع مع الشرك والظلم ، وهو سبيل ، ولا يجتمع مع شيء من ذلك الصراط المستقيم ، فللسبيل مراتب كثيرة بعضها فوق بعض من جهة خلوصه وشوبه وقربه وبعده ، والجميع على الصراط المستقيم ، أو هي هو. قال سبحانه : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) ، (٣) والأخبار في درجات الإيمان والكفر كثيرة مستفيضة.
__________________
(١). يوسف (١٢) : ١٠٦.
(٢). الروم (٣٠) : ٣٠.
(٣). المجادلة (٥٨) : ١١.