الغطاء عن قلوبهم والحجاب عن بصائرهم ، فحاولوا العبوديّة على حقيقة معناها ولم يلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله سبحانه ، كما عرفت في قوله تعالى : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً)، (١) وقوله : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ) ، (٢) وقوله : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً) ، (٣) فتولية أمرهم وشأنهم هذا الشأن لله وحده لا شريك له ، إذ طهارتهم علما وعملا بما آتاهم الله من العلم ؛ إذ رجس المعصية والشرك لا يتحقّق إلّا بالجهل بحقيقة الشيء والغفلة منه سبحانه ، وعلمهم ذلك يكفي مؤونتها فالله سبحانه وليّهم وحده.
ويدلّك على ما قلنا ، أنّ ما وصفهم سبحانه من أوصاف الكرامة بصيغة المفعول مثل المخلصين والمقرّبين والمطهّرين ، وما ورد من الأسماء في حقّهم بصيغة الفاعل ، فآثاره منسوبة إليه سبحانه ، كقوله : (وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) ، (٤) انظر إلى موضع قوله : (وَأَدْخَلْناهُ)، وقوله : (مِنَ)، وكقوله : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) ، (٥) انظر إلى موضع قوله : (نُرِي)، وقوله (وَلِيَكُونَ مِنَ)، فالصراط المستقيم هو صراط ولاية الله محضا الذي لا سبيل للشرك علما وعملا إليه ، ولذلك نرى أنّه سبحانه على ما أضاف سبيله إلى كثيرين لم يضف صراطه المستقيم إلى غيره إلّا لطائفة من أوليائه فقط في قوله : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، وعرّف هؤلاء المنعم عليهم في قوله : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ
__________________
(١). الرعد (١٣) : ١٧.
(٢). العنكبوت (٢٩) : ٤٣.
(٣). الزخرف (٤٣) : ٣.
(٤). الأنبياء (٢١) : ٧٥.
(٥). الأنعام (٦) : ٧٥.