قوله سبحانه : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
بيّن سبحانه أوّلا أنّ الكتاب هدى للمتّقين ، ثمّ ظهر من السياق أنّ لهم اهتداءا فطريّا إجماليّا ، يتعقّبه اهتداء تفصيليّ إلهيّ ، وهو الذي يحصل لهم ـ ببيانه سبحانه لهم وجوه خيرهم من شرّهم ، بواسطة كتابه المبيّن ـ فيه صلاح معاشهم ومعادهم.
فظهر أنّ لهم الاهتداء بسلامة فطرتهم ، والاهتداء كرامة من ربّهم ، وكان الجميع منه سبحانه ؛ إذ كلّ حسنة فمن الله ، فجمع بين الهدايتين ، فقال : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) وقد قال سبحانه : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) (١) فذكر أنّ الهداية بانشراح الصدر وسعته ، وقال : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢) والشحّ : الضيقّ والبخل ؛ فتمّ بذلك أنّ هؤلاء أصحاب الفلاح ، فقال : (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
قوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ...)
هؤلاء قوم ثبتوا على الكفر ، وتمكّن في قلوبهم ؛ ويدلّ عليه قوله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ...) والإتيان بالماضى المجرّد من «قد».
ويشعر تغيير السياق في قوله سبحانه : (خَتَمَ اللهُ ...) ـ حيث نسب الختم إلى نفسه ، والغشاوة إليهم أنفسهم ـ بأنّ فيهم حجابا دون الحقّ في ذاتهم وأنفسهم ، وحجابا من الله عقيب كفرهم وفسوقهم ؛ فأعمالهم متوسّطة بين حجابين : من ذاتهم ومن الله تعالى ؛ وسيجيء تمام الكلام في قوله تعالى :
__________________
(١). الأنعام (٦) : ١٢٥.
(٢). الحشر (٥٩) : ٩.