ـ المذكور هاهنا ـ عمى هنالك ، وهو يؤيّد ما مرّ ؛ أنّ من الضلال والعمى ما يلحق الإنسان عقيب أعماله السيّئة ، غير العمى الذاتي الذي له في نفسه ، ويشهد به قوله سبحانه : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) حيث جعل إضلاله في تلو الفسق ، لا متقدّما عليه.
و «الهداية والإضلال» كلمتان جامعتان لجميع أنواع الكرامة والخذلان التي ترد منه سبحانه لعباده السّعداء والأشقياء :
فإنّ ـ الله سبحانه ـ وصف في كلامه حال السعداء من عباده : بأنّه يحييهم حياة طيّبة ، ويؤيّدهم بروح الإيمان ، ويخرجهم من الظلمات إلى النور ، ويجعل لهم نورا يمشون به ، وهو وليّهم ، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وهو معهم يستجيب لهم إذا دعوه ، ويذكرهم إذا ذكروه ، والملائكة تتنزّل عليهم بالبشرى والسّلام ... إلى غير ذلك.
ووصف حال الأشقياء من عباده : بأنّه يضلّهم ، ويخرجهم من النور إلى الظلمات ، ويختم على سمعهم وعلى قلوبهم وعلى أبصارهم غشاوة ، ويطمس وجوههم على أدبارهم ، ويجعل في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ، ويجعل من بين أيديهم سدّا ومن خلفهم سدّا فيغشيهم فهم لا يبصرون ، ويقيّض لهم شياطين قرناء يضلّونهم عن السبيل ، ويحسبون أنّهم مهتدون ، ويزيّنون لهم أعمالهم ، وهم أولياؤهم ، ويستدرجهم الله من حيث لا يشعرون ، ويملي لهم إنّ كيده متين ، ويمكر بهم ، ويمدّهم في طغيانهم يعمهون.
فهذه نبذة ممّا ذكره سبحانه في وصف حال الفريقين ، وظاهرها أنّ للإنسان في الدنيا ـ وراء الحياة التي يعيش بها فيها ـ حياة اخرى سعيدة أو شقيّة ، ذات اصول وأعراق ، يعيش بها فيها ، وسيطّلع ويقف عليها عند انقطاع الأسباب