وارتفاع الحجاب.
ويظهر من كلامه سبحانه أيضا : أنّ للإنسان حياة اخرى سابقة على حياته الدنيا ، يقتفي أثرها نحوا من الاقتفاء في حياته الدنيا ، كما يحذو حذو حياته الدنيا فيما يتلوه من الحياة ، وسيجيء بيانه في موضع يليق به ، إن شاء الله العزيز.
فالإنسان ـ وهو في الدنيا ـ واقع بين حياتين : سابقة ولا حقة ، غير السبق واللحوق الزمانيّين ، فهذا هو الذي يقضي به ظاهر القرآن.
لكنّ الجمهور من المفسّرين حملوا القسم الثاني من الآيات ـ وهي الواصفة للحياة السابقة ـ على نحو من لسان الحال وإقتضاء الإستعداد ، والقسم الأوّل منها ـ وهي الواصفة للحياة اللاحقة ـ على ضروب المجاز والاستعارة.
إلّا أنّ ظواهر كثيرة من الآيات تدفع ذلك ، منها : الآيات الدالة على أنّ الجزاء يوم الجزاء بنفس الأعمال وعينها ؛ كقوله تعالى : (لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ،) (١) وقوله تعالى : (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) ، (٢) وقوله تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ* سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) ، (٣) وقوله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ ،) (٤) ومثل قوله تعالى : (ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) ، (٥) وقوله تعالى : (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) (٦) ... إلى غير ذلك من الآيات.
__________________
(١). التحريم (٦٦) : ٧.
(٢). آل عمران (٣) : ١٦١.
(٣). العلق (٩٦) : ١٧ ـ ١٨.
(٤). آل عمران (٣) : ٣٠.
(٥). البقرة (٢) : ١٧٤.
(٦). النساء (٤) : ١٠.