ولعمري لو لم يكن في كتاب الله سبحانه إلّا قوله تعالى : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (١) لكان فيه كفاية ؛ إذ الغفلة لا تكون إلّا عن معلوم حاضر ، وكشف الغطاء لا يكون إلّا عن مغطّى موجود.
ولعمري إنّك لو سألت نفسك أن تهديك إلى بيان يفي بهذه المعاني حقيقة من غير مجاز ، ما أجابتك إلّا بنفس هذه البيانات والأوصاف التي أتى بها سبحانه بلسان رسوله. وأمّا البيان البرهاني لا حتفاف هذه الحياة الدنيا بحياتين اخريين ، فموضعه غير هذا الموضع.
وإذ قد تبيّن أنّ هذه المعاني : من الإضلال والمكر والاستدراج ونحوها ، وما يقابلها في جانب السعادة ، إنّما تلحق بالموصوفين بها عقيب أعمالهم الطالحة أو الصالحة بحسب ما يسانخها ، سقط الاستشكال بلزوم الجبر في ذلك رأسا.
وفي العيون عن الرضا ـ عليهالسلام ـ في قوله سبحانه : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) (٢) قال عليهالسلام : «إنّ الله لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه ، لكنّه متى علم أنّهم لا يرجعون عن الكفر والضلال منعهم المعاونة واللطف ، وخلّى بينهم وبين اختيارهم». (٣)
وفيه عنه عليهالسلام في قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ ...) (٤) الآية ، قال : «الختم هو الطبع على قلوب الكفّار ، عقوبة على كفرهم ، كما قال الله ـ عزوجل ـ : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (٥)». (٦)
__________________
(١). ق (٥٠) : ٢٢.
(٢). البقرة (٢) : ١٧.
(٣). عيون أخبار الرضا ـ عليهالسلام ـ ١ : ١٢٣ ، الحديث : ١٦.
(٤). البقرة (٢) : ٧.
(٥). النساء (٤) : ١٥٥.