المشبّهة في دلالتها على الدوام والثبات.
والناس في بادئ مطالعتهم لحال الموجودات التي بين أيديهم ، وجدوها على قسمين : قسم لا يختلف حالها عند الحسّ ما دام وجوداتها موجودة ، كالأحجار وما أشبهها ، وقسم منها ربّما تغيّرت حالها وتعطّلت قواها وأفعالها مع بقاء وجودها الظاهر عند الحسّ ، كالإنسان وسائر أصناف الحيوان ، ربّما نجدها تعطّلت قواها ومشاعرها وأفعالها ، ثمّ يطرأ عليها الفساد تدريجا.
وبذلك أذعن الإنسان أنّ هناك وراء الإحساس أمرا آخر ، هو المبدأ للإحساسات والإدراكات العلميّة والأفعال ، يسمّيه بالحياة ، ويسمّى بطلانه بالموت.
وقد عدّ سبحانه هذه الحياة التي تحت إحساسنا شيئا هيّنا لا يعبأ به ؛ فكرّر نحو قوله : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ) (١) وقوله : (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) (٢) والمتاع : ما يقصد به الغير ، والعرض : ما يعرض ويزول.
ثمّ شدّد الأمر أن عدّها سرابا وهميّا ، وأمرا مجازيّا غير حقيقيّ ، في مثل قوله : (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) (٣) والظاهر أنّ الإضافة بيانيّة ، والزينة : هي الجميل الذي يضمّ إلى الشيء ويغرّ به قاصده ، فيقصد غير ما يقع ويقع غير ما يقصد.
ومثل قوله : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) (٤) واللهو : ما يشغلك
__________________
(١). الآية بهذا اللفظ وردت في القرآن مرّتين مقرونة ب : «الغرور» ، وسيشير لاحقا إلى ذلك اللفظ ، وورد وصف الحياة الدنيا بالمتاع أو إضافة المتاع إلى الحياة الدنيا في آيات عديدة لكن ليس بهذا اللفظ ، مثل : (إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ) و (مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) انظر : غافر (٤٠) : ٣٩ ، وآل عمران (٣) : ١٤.
(٢). النساء (٤) : ٩٤.
(٣). الكهف (١٨) : ٢٨.
(٤). العنكبوت (٢٩) : ٦٤.